1. الرئيسية
  2. East Africa
  3. South Sudan

جنوب السودان: الرعاية الصحية العقلية حاجة ماسة

A nurse at the military hospital in South Sudan's capital Juba prepares an injection for one of the new nation's many traumatized soldiers Hannah McNeish/IRIN

 أسفرت عقود من الحرب الأهلية في جنوب السودان عن تفشي الصدمات النفسية على نطاق واسع، والآن تكافح هذه الأمة التي تعاني من تخلف مزمن من أجل توفير مرافق وموظفين وعلاج لأولئك الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية العقلية. وبعد توقيع اتفاق السلام مع الخرطوم عام 2005، توافدت وكالات الإغاثة إلى جنوب السودان لتوفير الجزء الأكبر من الخدمات الصحية والتعليم. ومنذ أن حصلت تلك المنطقة على استقلالها في عام 2011، تحاول الحكومة الوليدة بناء دولة من الصفر، ما جعل الخدمات الصحية مؤقتة إلى حد كبير، وبرامج الصحة العقلية شبه منعدمة.

وأوضح نائب وزير الصحة، ياتا يوري لوغور أن "الوضع بدائي جداً على صعيد الصحة النفسية، ولكن الكثير من الناس يعانون بسبب صدمات ما بعد الحرب وبعضهم بسبب الإحباط وتعاطي المخدرات. وذكرت مجلة جنوب السودان الطبية أن الاكتئاب والاضطرابات النفسية الناتجة عن الصدمات، والقلق وتعاطي المخدرات هي القضايا النفسية الرئيسية التي تؤثر على البلاد. فالبيانات الحديثة الوحيدة المتوفرة مأخوذة من مسح أجري عام 2007 وشمل 1,242 شخصاً في جوبا. ووجد المسح أن 36 بالمائة من المشاركين استوفوا معايير أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، بينما استوفى نصفهم معايير أعراض الاكتئاب.

غياب الأطباء النفسيين والأدوية

وأفاد لوغور أن "الكثيرين يعانون من مشاكل عقلية، وإذا تجولت في [العاصمة] جوبا، سوف ترى الكثير منهم يجوبون الشوارع". وأضاف أنه في بلد تصل نسبة الأمية لدى الكبار فيه إلى 27 بالمائة، يؤدي عدم فهم قضايا الصحة العقلية وضعف البنية التحتية للاتصالات وقلة الطرقات، إلى توجيه حالات الاضطرابات النفسية والعاطفية والسلوكية في كثير من الأحيان إلى المعالجين التقليديين أو الشرطة بدلاً من العيادات الصحية.

إن مستشفى جوبا التعليمي هو المنشأة الطبية العامة الوحيدة في البلد لمعالجة الأمراض العقلية، ولكن جناح الصحة النفسية يضم 12 سريراً فقط. ويقول جورج واني، المسؤول عن المستشفى أن جنوب السودان ليس فيه أطباء نفسيين منذ أن رحل الطبيب الوحيد للعمل في تنزانيا. ورغم أن الجناح يعالج أشد الحالات تدهوراً، فهو لا يضم سوى عدد قليل من الممرضات اللاتي حصلن على أدنى مستوى من التدريب، ولا نجد فيه الأدوية النفسية، كما ويصعب حتى الحصول فيه على المهدئات. ويقول واني: "في كل معدات الطوارئ الطبية، ستجد نوعاً أو اثنين من المهدئات، لذلك علينا أخذها واستخدامها في قسم الطب النفسي، ولكن أدوية الطب النفسي غير متوفرة."

هذا وتظهر السجلات أن المرضى يتناولون جرعات منتظمة من الديازيبام، وهو دواء مهدئ ومضاد للقلق. كما ويتم تقييد أيدي بعض المرضى إلى أسرّتهم، مثل ماثيو الذي أحضرته والدته للحصول على العلاج. وقال ماثيو وهو يسحب السرير ذو الإطار المعدني في الممر: "أنظروا إلي، إنني مقيد، مقيد". أما الموظفين الذين يشعرون بالضجر فيقولون أنهم لا يستطيعون تغطية الجرح الكبير المفتوح على معصمه لأنه ليس لديهم الشاش أو القطن.

التخدير أو السجن

وأوضح واني أن السجن هو البديل الوحيد لهذا الوضع بالنسبة للمرضى الذين لا يستطيع المستشفى السيطرة عليهم. وأضاف قائلاً: "تقع مصحة جوبا داخل السجن وليس لدينا بديل. يصبح المريض في المساحات المفتوحة مدمراً جداً، ومؤذياً للآخرين، وعنيفاً جداً، وعدوانياً، والناس في الخارج لا يمكنهم تصحيح هذا الوضع".

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد ندّدت في شهر يونيو الماضي "بظروف السجن القاسية وغير المقبولة" والاعتقال غير القانوني في جنوب السودان، ووجدت أنه تمّ احتجاز العشرات من السجناء "لمجرد أنهم يبدو عليهم الإصابة بإعاقة عقلية". ويعترف واني، الذي يزور السجن بانتظام، بأن الحالة سيئة للغاية، وأن المرضى مكبلون بقيود مثبتة في الأرض بشكل دائم تقريباً. لكنه يقول أن حوالى 50 مريضاً عقلياً موجودون حالياً داخل سجن العاصمة وليس لديهم أي مكان آخر يستطيعون الذهاب إليه. كما أكد أن "الحل الوحيد هو بناء مصحة خارج السجن ... لأن المستشفى لا يملك القدرة على استيعاب جميع المصابين بأمراض عقلية".

مشكلة هائلة

وفي الوقت نفسه، ما زال العنف يلقي بظلاله على الصحة النفسية للسكان. فقد تحولت الخلافات حول سرقة الماشية في الآونة الأخيرة إلى صراع عرقي واسع النطاق يؤثر على أكثر من 140,000 شخص. ومن الصعب للغاية الحصول على خدمات الصحة النفسية في مخيمات اللاجئين والنازحين داخلياً في جنوب السودان.

من جهته، قال مسؤول كبير في وكالة معونة دولية طلب عدم الكشف عن إسمه أن الإحباط اليومي إلى جانب الصدمات السابقة تولد المزيد من الصدمات والعنف. وأضاف قائلاً: "أعتقد أن هناك حاجة إلى التحوّل في كيفية تصدي منظمات الإغاثة لقضايا الصحة في جنوب السودان. فقضايا الصحة النفسية تنشأ في برامج الصحة العادية ولكن ببساطة لا يتم اكتشافها، أو تقوم المرافق الصحية بالتصدي للأعراض البدنية [فقط]".

ولكن الحكومة تقول أنه لا يوجد تمويل لخدمات الصحة النفسية. فقد أوضح لوغور، نائب وزير الصحة أن "الموارد هي المعضلة. فهي موزعة على كافة الاحتياجات، وكما تعلمون، يتم إنفاق الكثير منها على حالات الطوارئ".

أما جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان، والذين يشكلون القوات المسلحة الوطنية وكانوا في الخطوط الأمامية أثناء حروب بلادهم الطويلة، فهم يتضررون بشدة من عجز النظام الصحي عن التعامل مع قضايا الصحة العقلية. ويقول مدير مستشفى جوبا العسكري، بيتر أجاك بولن، أن هذه مشكلة هائلة في الجيش. ويضيف أن "عدد الجنود المصابين بالصدمات كبير جداً، ولا يمكن تجاهلهم ببساطة لأن الجيش الشعبي يشكل جزءاً ضخماً من البلاد".

ويقدر عدد جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان بنحو 140,000 جندي، وفقاً للمجموعة البحثية المسماة مسح الأسلحة الصغيرة. وعلى الرغم من أن المستشفى العسكري يضم مرافق أفضل من أي مستشفيات أخرى، فهو لا يملك سوى ثلاثة موظفين مدربين في علم النفس يقدمون المشورة الأساسية.

وقال بولن: "ليس لدينا مستشفى صحة نفسية، وليس لدينا حتى قسم جيد للأمراض العقلية في مستشفى جوبا العسكري أو في مستشفى جوبا التعليمي". فقد نجا وليام من قصف جوي بينما كانت القوات تتقدم باتجاه منطقة هجليج المتنازع عليها خلال اشتباكات قصيرة بين السودان وجنوب السودان للسيطرة على النفط والأرض في شهر أبريل الماضي. وهو الآن في مستشفى جوبا العسكري. وقال بولن بينما كان ويليام يحدق في الفضاء أن هذا الجندي "كان مرتبكاً، وفقد وعيه قليلاً، ولكن عندما جاء هنا استعاد جزءاً منه. لم يصب بأي جروح، ولكنه كان مرتبكاً".

تمكن ويليام من الجلوس وتناول الطعام والتحدث بعد أن ظل مخدراً لمدة أربعة أيام، "ولكنه أصيب بانتكاسة في وقت لاحق، فأعطيناه نفس المهدئات. ليس لدينا أكثر من هذا. هذه هي الأدوية الأساسية للصحة النفسية التي نملكها، بالإضافة إلى المشورة النفسية".

ويتم تحويل الحالات الصعبة إلى المستشفيات العامة، وإذا لم تنجح في علاجها، يتم إرسالها إلى أوغندا. فيقول بولن أنه إذا فشل كل شيء آخر، يحصل المرضى مثل ويليام، المتزوج والذي يعيل خمسة أطفال، على رواتب ويتم تحويلهم إلى برنامج "الأبطال الجرحى" لقدامى المحاربين المعوقين من أجل تعلم مهارات جديدة.

إدامة دوامة العنف

ويجب أيضاً التصدي لحالات العنف الناتجة عن أمراض عقلية. فأفاد لوغور، مستشهداً بحادثة وقعت مؤخراً، حيث قام الزوج بقتل زوجته ثم أطلق النار من مسدسه على نفسه: "ليس لدينا إحصاءات ولكننا سمعنا عن أشخاص يقتلون أنفسهم." وأضاف أن "هذه الأشياء تحدث في كل مكان في جنوب السودان. وهي لا تقتصر على الجيش. إنها في كل مكان".

ويقول بعض المسؤولين أن الجنود يقتلون أنفسهم أو أشخاصاً آخرين كل أسبوع. فقد أشار بولن إلى أن "إطلاق الرصاص على المدنيين أمر شائع، والعنف تجاه المدنيين شائع أيضاً." وأردف قائلاً: "أنا جراح عام ولست طبيباً نفسياً، لكننا نرى حالات انفصام قليلة جداً، ربما حالة واحدة أو اثنتين كل عام، ولكن معظمهم من المرضى المصابين بالاكتئاب".

بناء القدرات

في محاولة لمعالجة النقص الحاد في أخصائيي الصحة العقلية، يقوم أحد البرامج بتدريب الطلاب والأخصائيين الطبيين على قضايا الصحة العقلية - وهذا البرنامج هو ثمرة التعاون بين جامعة أوسلو، ومنظمة غير حكومية نرويجية تدعى سينتيف للصحة (SINTEF Health)، وجامعة بحر الغزال في جنوب السودان، وجامعة الأحفاد للبنات في الخرطوم.

وقالت ليزبيت غروت، وهي من كبار العلماء في منظمة سينتيف للصحة، أن "هناك فجوة كبيرة بين الحاجة والخدمات الصحية المتاحة، فضلاً عن نقص شديد في معرفة وفهم قضايا الصحة العقلية". وأضافت: "إننا نحاول أن نصل إلى نقطة يتمكن فيها العاملون في مجال الصحة من التعرف على أعراض مشاكل الصحة العقلية وتشخيصها بشكل صحيح وإحالتها إلى المتخصصين الذين يمكن أن يقدموا العلاج".

وقد التحق بهذا البرنامج، الذي بدأ منذ عام 2007، حتى الآن 9 طلاب على مستويات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في برامج الصحة النفسية في جامعة بحر الغزال، كما قدم البرنامج تدريباً قصير الأمد في مجال الصحة النفسية لـ72 عاملاً في مجال الصحة. وتخطط الحكومة أيضاً لإعداد استراتيجية الصحة النفسية "التي من شأنها أن تشمل الدعوة والتشريع وحقوق الإنسان والتخطيط والتمويل وتنظيم الخدمات والجودة واستخدام الأدوية الخاصة بالأمراض العقلية".

hm/kr/am/rz


This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions

Share this article

Get the day’s top headlines in your inbox every morning

Starting at just $5 a month, you can become a member of The New Humanitarian and receive our premium newsletter, DAWNS Digest.

DAWNS Digest has been the trusted essential morning read for global aid and foreign policy professionals for more than 10 years.

Government, media, global governance organisations, NGOs, academics, and more subscribe to DAWNS to receive the day’s top global headlines of news and analysis in their inboxes every weekday morning.

It’s the perfect way to start your day.

Become a member of The New Humanitarian today and you’ll automatically be subscribed to DAWNS Digest – free of charge.

Become a member of The New Humanitarian

Support our journalism and become more involved in our community. Help us deliver informative, accessible, independent journalism that you can trust and provides accountability to the millions of people affected by crises worldwide.

Join