يجمع أطفال يغطيهم الغبار قطعاً من النفايات تبدو مفيدة أو طعاماً تخلص منه الجنود. يضعونها في أكياس متسخة أثناء سيرهم على الطريق نحو خط المواجهة في الهجوم العراقي على ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية. رفع آخرون إصبعين كعلامة النصر أو لوحوا بأيديهم على أمل الحصول على تبرعات بالطعام أو حتى سجائر، في حين كان آباؤهم يرعون الأغنام في مكان قريب.
ولكن الغالبية العظمى من المركبات العسكرية التابعة لقوات الحشد الشعبي - وهو ائتلاف فضفاض من المقاتلين ذوي الأغلبية الشيعية - لم تحاول حتى تهدئة سرعتها أثناء انطلاقها نحو المعركة باتجاه تلعفر، وهي بلدة استراتيجية على الطريق إلى الموصل.
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية، قال أحد جنود الحشد الشعبي أن هؤلاء الأطفال لا يمكن الوثوق بهم. وأضاف أنهم تلقوا تدريباً على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية كمقاتلين شبان أو يتم استخدامهم كمخبرين: "هؤلاء الأطفال ليسوا سُذجاً. إنهم يعرفون بالضبط ما يفعلونه الآن، [تماماً] كما كانوا يعرفون بالضبط ما كانوا يفعلون مع تنظيم الدولة الإسلامية آنذاك". ونفى المقاتل الشيعي بشدة أن تكون شكوكه مرتبطة بالطائفة الدينية التي يتنتمي إليها الأطفال، حيث تنتمي الغالبية العظمى من المواطنين في الموصل لطائفة السنّة.
ترفرف أعلام قوات الحشد الشعبي، التي يحمل العديد منها صور شخصيات مقدسة في تاريخ الشيعة، في كافة أرجاء الأراضي الصحراوية المحررة حديثاً: من السيارات والمباني إلى المرتفعات الرملية نفسها. تبدو هذه الأعلام ظاهرياً وكأنها علامات نصر تعكس المكاسب الإقليمية الرئيسية التي تم تحقيقها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنها تلمح أيضاً إلى شيء أقل وضوحاً، وهو التوترات الطائفية التي تؤجج هذا الصراع. كما تتصاعد مشاعر الريبة المتبادلة.
زخم الموصل
وعلى بعد بضعة كيلومترات من خط المواجهة، تجمعت قافلة حزينة من المركبات الزراعية البالية والسيارات القديمة في واد رملي - العديد منها يتم سحبه بسبب نقص الوقود. كانت الـ100 أسرة أو نحو ذلك التي تستقل تلك المركبات قد فرت في صباح ذلك اليوم بعد وصول الاشتباكات إلى قريتهم تل سروال.
"إن أهم شيء بالنسبة لنا قبل أن ندخل أي منطقة هو التأكد من أن جميع الأسر قد هربت إلى مكان آمن،" كما أفاد القائد أبو ثرات، الذي يقود وحدة في منظمة بدر ذات النفوذ الكبير والمشاركة في قوات الحشد الشعبي، وهي المجموعة التي تقود المعركة حول تلعفر. وأضاف قائلاً: "ينصب تركيزنا دائماً على تحرير البشر أولاً".
وقد لعبت قوات الحشد الشعبي دوراً حيوياً في حرب العراق المستمرة منذ عامين ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وفي نهاية الأسبوع الماضي، وافق البرلمان على جعلها قوات حكومية رسمية، وهذا قد يجعلها تخضع بدرجة أكبر للسيطرة المركزية، على الرغم من أن كيفية تحقيق ذلك ليست واضحة حتى الآن.
وتجدر الإشارة إلى أن كلاً من قوات الحشد الشعبي والقانون الجديد مثيران للجدل. وقد قاطع العديد من النواب السنّة هذا التصويت، حيث يشعر البعض بالقلق إزاء النفوذ الإيراني، بينما تساور البعض الآخر مخاوف بشأن الانتهاكات المزعومة ضد المدنيين. وحتى الآن، وافقت قوات الحشد الشعبي على عدم دخول مدينة الموصل نفسها، ولكنها تنشط كثيراً على مشارفها.
وعلى الأرض، بالقرب من تل سروال، عبرت الأسر المشاركة في القافلة عن كامل امتنانها لدور قوات الحشد الشعبي في تحريرها. وقال ياسر عوض إسماعيل، البالغ من العمر 35 عاماً: "منذ أن فرض تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته ... نعتبر أنفسنا في عداد الموتى. واليوم، وبعد أن حررتنا [قوات الحشد الشعبي]، نشعر بأننا أخيراً على قيد الحياة مرة أخرى. كان الوضع رهيباً تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية. لم تكن لدينا خدمات ولا شبكات كهرباء أو هاتف، ولا عمل، ولا بنزين لشاحناتنا".
ووصف إسماعيل كفاح القرويين للالتزام بالمذاهب الصارمة والعيش في خوف دائم على حياتهم بعد قيام مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بإعدام رجل محلي علناً دون سبب واضح. كما تم تنفيذ عقوبات أخرى في وسط الشارع، على مرأى ومسمع من الجميع. وأضاف قائلاً: "إذا ضبطوا أحداً وهو يدخن أو إذا كانت لحيته قصيرة جداً، كانوا يجلدونه 20 جلدة. وإذا كان سرواله طويلاً جداً، أو إذا شوهدت زوجته دون حجاب يغطي الوجه بأكمله، يجلدونه 15 جلدة".
وبينما كانت قوات الحشد الشعبي تحرز تقدماً سريعاً نحو تلعفر في الشهر الماضي، أجبر تنظيم الدولة الإسلامية سكان تل سروال على ترك منازلهم وإقامة خيام خارج القرية بغرض تحويلهم إلى دروع بشرية - منطقة عازلة مدنية لإبطاء الهجوم.
وأوضحت شمالي فيصل حسين البالغة من العمر 45 عاماً أن "[مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية] فتحوا أبوابنا عنوة، ودخلوا بيوتنا وأطلقوا النار من مدافع رشاشة حولنا، وأجبرونا على الرحيل والعيش في خيام خارج القرية. اضطررنا لترك معظم ممتلكاتنا، أخذوا منا كل شيء، حتى طعامنا".
وكانت الأسر المرعوبة قد قضت الأسبوعين الماضيين في مخيم بالصحراء حتى بدأ القتال بشكل جدي في المنطقة المحيطة بتل سروال. وقال إسماعيل: "عندما بدأت الصواريخ وقذائف الهاون تتساقط على مقربة من القرية، تشتت انتباه تنظيم الدولة الإسلامية وتمكنّا من الهروب".
الامتنان والريبة
ومثل كثيرين آخرين في القافلة، أعربت حسين عن الشكر الجزيل لقوات الحشد الشعبي على تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية. وخلافاً للصور المنتشرة على نطاق واسع والتي تظهر نساء تمزقن الحجاب في أجزاء أخرى من العراق، قالت أنها وغيرها من نساء الأسرة لم يخلعن النقاب.
من جانبه، سارع القائد أبو ثرات بتسليط الضوء على التعاون المثمر بين قوات الحشد الشعبي وبعض القرويين، الذين قدموا معلومات استخباراتية عن أعداد ومواقع وأنشطة تنظيم الدولة الإسلامية.
ولكن بعد قيام المقاتلين بتوزيع الطعام والسجائر على أفراد قافلة القرويين الهاربين، تحول الجو من النشوة الرقيقة إلى القلق والشك المتبادل.
تم فصل الرجال والفتيان عن أسرهم فور وصول وحدات التحقيق التابعة للشرطة العراقية لبدء فحصهم بحثاً عن المشتبه في تعاونهم مع تنظيم الدولة الإسلامية أو انتمائهم إليه.
ويتم هذا الفرز قرب الخطوط الأمامية في مواقع مختلفة في جميع أنحاء البلاد، وكذلك في بعض مخيمات النازحين، ولكن هذه العملية تفتقر إلى الشفافية، وهناك مزاعم واسعة النطاق عن سوء المعاملة وتصفية الحسابات.
تلقى الصحافيون أوامر بمغادرة المنطقة فور وصول وحدات التحقيق، ولكن شبكة الأنباء الإنسانية سمعت التعليمات الموجهة لرجال تل سروال بتسليم أي أسلحة يحملونها، مع تأكيدات بأنهم لن يتعرضوا لأي عقاب.
وفي حين تساور المدنيين شكوك حول قوات الحشد الشعبي أحياناً، ويعترف السكان الفارون من تل سروال بأن ليس لديهم أدنى فكرة عن المكان الذي سيؤخذون إليه، فإن القوات لديها أسباب وجيهة للقلق بشأن بعض الذين يعيشون تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية. في العراق، كما في معاقل التنظيم الأخرى، تم الإبلاغ عن حالات عديدة لمقاتلين سابقين يحلقون لحاهم ويقصون شعرهم، ويختبئون بين المدنيين العاديين الفارين لتجنب الكشف عن هويتهم.
"لم يدخل الجيش هذه المنطقة منذ عدة سنوات، وهي مفضلة لدى تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرهما من الجماعات الإرهابية منذ فترة طويلة،" كما أفاد القائد أبو ثرات، مؤكداً على أهمية مثل هذه التحقيقات.
عودة غير مريحة
ويُقدر عدد النازحين داخل العراق بنحو 3.1 مليون شخص، ويتوجه الآن عدد كبير منهم إلى ديارهم، لا سيما في الرمادي عاصمة محافظة الأنبار. وفي الشمال أيضاً، بالقرب من الموصل، بدأ عدد قليل من السكان يعودون إلى قراهم المحررة. ولكنهم وجدوا المشهد قد تغير، وكذلك الأعلام.
يوجد الآن جنود مسلحون ببنادق وآخرون يحملون مناظير فوق أسطح المنازل لمراقبة الأفق فوق المزارع الصغيرة.
وفي قرية صغيرة مكونة من أكواخ طينية، وقف ثلاثة شيوخ لساعات في المسار المركزي الذي يكسوه التراب وهم يحملون حاويات صغيرة قذرة وخراطيم طويلة، على أمل أن تمنحهم المركبات العسكرية المتجهة إلى خط المواجهة قليلاً من البنزين لتشغيل آلاتهم العتيقة.
وعلى مشارف قرية أخرى، توجد جثتان لاثنين من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وأذرعهما وسيقانهما مبسوطة على الأرض، وبطنيهما منتفختان بعد تعفنهما لعدة أيام، ولا تزال سيقانهما مربوطة ببعضها البعض بحبل طويل، مما يشير إلى سحبهما عبر الصحراء. ويتناقض وجودهما مع مزاعم القادة العسكريين الذين أخبروا شبكة الأنباء الإنسانية أن جميع قتلى تنظيم الدولة الإسلامية قد تم دفنهم بسرعة، وتشير حقيقة أن الجثتين أُلقيتا بالقرب من القرية إلى أن ذلك ربما يكون قد تم عن قصد، كتحذير لمتشددين آخرين وللسكان المحليين الذين عاشوا تحت سيطرتهم.
(الصورة الرئيسية: طفل يلوح بيده أملاً في إيقاف بعض المركبات العسكرية في شمال العراق. توم وستكوت/إيرين).
tw/as/ag-ais/dvh