في أوائل أبريل، خاطروا بحياتهم من أجل الفرار من ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، ولكن حتى بعد المشي لمدة 11 ساعة من مسقط رأسهم في الحويجة في شمال العراق إلى الأمان النسبي في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، لم يتنفس مصطفى وأسرته المنهكة بعد نسيم الحرية.
ومنذ نقلهم بالشاحنات من شمال كركوك إلى مخيم نزراوه، جنوب المدينة، لم يُسمح لهم بالمغادرة، ولذلك هم عالقون الآن بين حوالي 2,200 شخص من سكان المخيم الذي يقول عنه البعض بأنه أصبح بحكم الواقع مركز احتجاز للعرب السنة.
وتجدر الإشارة إلى أن النازحين داخل العراق هم مواطنون عراقيون ولهم الحق في حرية التنقل داخل البلاد. لكن بعد العيش تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية لما يقرب من عامين، يُنظر إلى النازحين حديثاً على أنهم مؤيدون محتملون لهذه الجماعة.
بالإضافة إلى ذلك، ألحقت بقايا الكراهية العربية-الكردية المستمرة منذ فترة طويلة أضراراً إضافية بالعلاقات الهشة أصلاً بين هاتين الجماعتين العرقيتين.
تدفق اللاجئين
وتكافح حكومة إقليم كردستان شبه المستقلة للتعامل مع تدفق النازحين الفارين من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية - أكثر من مليون منذ يناير 2014 - وبعد أن وجهت سلطات كركوك نداءً لتقديم المساعدة، تم افتتاح مخيم نزراوه في نوفمبر 2015. وقد تم تمويله من تبرعات 10 دول مانحة، من بينها الولايات المتحدة، ويُدار من قبل جمعية خيرية تسمى منظمة الإغاثة والتنمية الدولية.
وتتحمل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تكاليف تنظيم وإدارة المخيم، لكن الحكومة الكردية هي المسؤولة عن الأمن. وعلى الرغم من أن كركوك لا تزال رسمياً تابعة للحكومة المركزية في بغداد، إلا أنها في واقع الأمر خاضعة لسيطرة الأكراد، مما يعطيهم قدراً كبيراً من النفوذ داخل المخيم وفي المحافظة بأسرها.
ومع تدفق الآلاف من النازحين العراقيين إلى إقليم كردستان في بداية السنة، فراراً من تصاعد الضربات الجوية التي يشنها التحالف واقتصاد تنظيم الدولة الإسلامية الذي أصابه الشلل، يُقال أن السلطات الكردية قد خلُصت إلى أن الجماعة المتشددة تخطط لاستخدام حركة المدنيين كحصان طروادة لاختراق المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
وهذا بدوره دفع الأكراد الذين كانوا يشعرون بالقلق بالفعل إلى إصدار أمر بعدم السماح للمدنيين بمغادرة مخيم نزراوه.
وفي 11 مارس، أبرزت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الترحيل القسري والقيود المفرطة على حرية المواطنين في التنقل كدواع لـ"قلق شديد".
وقالت المتحدثة باسم المفوضية آريان روملي أن جميع المقيمين يتم نقلهم قسراً ومنعهم من مغادرة المخيم، بغض النظر عن ما إذا كانوا قد أكملوا التدقيق الأمني المفروض على جميع الوافدين الجدد إلى إقليم كردستان.
ولم تستجب المنظمة غير الحكومية التي تدير المخيم، منظمة الإغاثة والتنمية الدولية، لعدة طلبات للحصول على تعليق. كما رفضت حكومة إقليم كردستان هذه الاتهامات ووصفتها بأنها "غير مقبولة" واتهمت المفوضية بالمبالغة.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان ديندار زيباري: "نحن نرفض الادعاء بأن أياً من المخيمات الموجودة في إقليم كردستان، أو أي مخيمات أخرى بها قوات البيشمركة [الجيش الكردي]، تعتبر بمثابة معتقلات للنازحين".
ووصف زيباري نزراوه بأنه "مخيم مؤقت" أُنشئ لفرز المدنيين بعيداً عن مخاطر الخطوط الأمامية، مضيفاً أنهم يتمتعون بحرية الدخول والخروج كما يشاؤون.
وأكد أن "حكومة كركوك قررت مساعدة هؤلاء النازحين من مبدأ الدعم الإنساني".
لكن منظمة هيومن رايتس ووتش تقول أنه لا توجد اشتباكات نشطة في المناطق التي يُنقل منها النازحون.
وفي هذا الشأن، قال كريستوف ويلك، كبير الباحثين في منظمة هيومن رايتس ووتش، لشبكة الأنباء الإنسانية: "ذكر الناس الذين أُجبروا على الانتقال بالشاحنات والحافلات إلى نزراوه أنه لم يكن هناك قتال في الأماكن التي جاؤوا منها".
تخفيف القيود لا يفرج الكرب
ومنذ صدور التقرير في شهر مارس الماضي، تم تخفيف القيود المفروضة على الحركة. وأخبرت المفوضية شبكة الأنباء الإنسانية أنه يُسمح للمدنيين الآن بمغادرة المخيم، ولكن فقط إذا كان بامكانهم ضمان عودتهم.
وهذا يعني أن المدنيين يجب يتركوا وثائق هويتهم لدى إدارة المخيم، أو يكفلهم أحد أفراد الأسرة. والجدير بالذكر أن الخيار الأول غير قابل للتطبيق بالنسبة لمعظم النازحين،لأن السفر بدون وثائق هوية غير آمن ويعني أنهم لن يتمكنوا من تجاوز نقاط التفتيش.
أما بالنسبة للمدنيين الذين لا يحملون وثائق هوية، فيُطلب من أفراد أسرهم ترك وثائق هويتهم مع إدارة المخيم حتى يعود أقاربهم إلى المخيم.
ويقول المنتقدون أن هذا يعني أن المخيم لا يزال بالأساس مركز اعتقال.
"إنه مركز تبدو فيه حرية الحركة [الآن] وكأنها مقيدة بوسائل غير مباشرة. وقال الناس الذين تحدثنا معهم أنهم يتمتعون بحرية المغادرة، ولكنها حرية مقيدة بالاضطرار إلى ترك بطاقات هويتهم،" كما أفاد ويلك في حواره مع شبكة الأنباء الإنسانية.
وقال مصطفى لشبكة الأنباء الإنسانية أن قوات الأمن في إقليم كردستان احتجزته لمدة 12 يوماً للتأكد من أنه ليس عضواً في تنظيم الدولة الإسلامية. في الوقت نفسه، تم نقل زوجته وأولاده إلى نزراوه، حيث تم لم شملهم في نهاية المطاف. وأضاف أن "بطاقة الهوية الخاصة بي لا تزال محتجزة لدى ... [قوات الأمن الكردية] ولا يمكنني الخروج من المخيم".
على الأقل، يعرف مصطفى إلى حد ما السبب الذي يمنعه من المغادرة: لم تُعاد إليه بطاقة هويته بعد، ولكن الآخرين ليست لديهم أدنى فكرة.
وقالت فتاة تُدعى خنزة وتبلغ من العمر 13 عاماً لشبكة الأنباء الإنسانية أنه لم يُسمح لها بمغادرة المخيم على الرغم من وجود عمها واثنين من أشقائها في كركوك. ويقوم رجل آخر يدعى عمر بزيارة المخيم بانتظام لإحضار الطعام لزوجته وأطفاله الثلاثة الذين لم يتم منحهم الإذن بمغادرة نزراوه، على الرغم من وجود أفراد من أسرتهم في كركوك يمكنهم أن يكفلوهم.
تدهور الأوضاع
وبالإضافة إلى تلبية احتياجات أسرته، يوفر عمر الطعام لبعض الرجال غير المتزوجين داخل المخيم – حيث يُنظر إلى الشبان غير المتزوجين على أنهم يشكلون تهديداً أمنياً أكبر من أرباب الأُسر، ويقول أنهم يواجهون تمييزاً متصاعداً.
وتجدر الإشارة إلى أن الطعام لا يتوفر بسهولة دائماً، ولا تستطيع الشاحنات التجارية الدخول بانتظام عبر بوابات المخيم. ونظراً لعدم وجود وظائف في المخيم، يستنفد المقيمون مدخراتهم ويضطرون للاعتماد على توزيع المساعدات.
تعتمد فضيلة، التي تبلغ من العمر 41 عاماً، على المساعدات الخيرية التي يقدمها جيرانها "لتوفير الغذاء لنفسها ولأطفالها الأربعة. توفي زوجها قبل خمس سنوات، مما يجعلها ربة الأسرة التي تعول أفرادها – وهي تعاني من الحرمان المالي والعزلة الاجتماعية في كثير من الأحيان.
وقالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "أشعر أننا نعيش في سجن كبير".
وهذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها أكراد العراق بفرض قواعد صارمة أكثر مما ينبغي في مخيمات يسكنها النازحون من العرب السنة، حيث وردت تقارير مماثلة من مخيم كرماوة في نينوى ومخيم ليلان في كركوك.
وبالمثل، انتقدت تقارير أصدرتها منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية معاملة الأكراد للنازحين العرب.
ولا تزال العملية العسكرية الواسعة النطاق لاستعادة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من تنظيم الدولة الإسلامية في مرحلة مبكرة.
"في الأشهر المقبلة، مع استعادة سيطرة الحكومة على بعض المناطق، يتعين علينا أن نفترض أن مئات الآلاف من الناس، وربما حتى مليون شخص، سوف يتم فحصهم من قبل السلطات،" كما أوضحت ليزا غراندي، منسقة الشؤون الانسانية للأمم المتحدة في العراق، خلال حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
"تشعر الأمم المتحدة بالقلق إزاء إجراء الفرز بشكل مناسب وبشفافية وبطرق تتماشى مع أفضل الممارسات الدولية،" كما أضافت.
ومع تقدم قوات الجيش العراقي نحو الشمال، الذي يجبر مئات الآلاف من الناس على النزوح، يستحوذ الوضع في مخيمات مثل نزراوه على أهمية متزايدة.
تم إعداد التقرير بمساهمة إضافية من علي عرفة
* الأسماء ليست حقيقية
sb/as/ag-ais/dvh
تم نشر النسخة العربية في 28 أبريل 2016