يواجه السكان الرُّحَّل أو شبه الرُّحَّل صعوبات عندما يجدون أنفسهم محصورين في مخيمات اللاجئين بعد أن اعتادوا على المساحات الرحبة وحياة التنقل والترحال والسفر بالعديد من الحيوانات، التي تشكل ممتلكاتهم وموارد رزقهم. لكن لا بد من وجود حدود للمخيم حتى تتمكن الوكالات الإنسانية من تحديد أولئك الذين يتلقون المساعدات وتضمن الوفاء بالمعايير الإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم على نحو متنام تكليف وكالات المعونة ليس بحماية أرواح اللاجئين فقط بل بتعزيز قدرتهم على التعافي من الأزمات، وفي الكثير من الأحيان يكون إيواء الماشية التي يمتلكها الرعاة هو أفضل طريقة لذلك.
وقد حفزّ النزوح الجماعي لقبائل الرعاة من شمال مالي خلال صراع عام 2012، وكالات المعونة على استكشاف أساليب جديدة لمساعدة النازحين وحيواناتهم. وقد تحدثت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مع الفرق التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في النيجر وموريتانيا للتعرف على الأساليب التي تستخدمها لمساعدة اللاجئين الرُّحَّل.
النظام الغذائي
في مخيم مبيرا في موريتانيا، يعيش قرابة 68,000 لاجئ من مالي على مساحة تمتد على أكثر من 350 هكتاراً. وعلى الرغم من أنها ليست مساحة صغيرة، إلا أنها أصغر من أن تتسع للكثير من الأسر التي تقول أنها غير معتادة على العيش بشكل ملاصق لجيرانها. وللتغلب على هذا الوضع، تفتح بعض الأسر أبواب خيامها على جهة بعيدة غير مقابلة لجيرانها، فيما تعيش أخرى على أطراف المخيم، ما يوفر لها الشعور بمزيد من الخصوصية.
وبعض سكان المخيم يتكيفون على نحو مبدع مع القيود التي تفرضها الحياة في المخيم. وفي الوقت الذي يقوم برنامج الأغذية العالمي بتوزيع حصص الإعاشة المعتادة - التي تتكون من البقول والحبوب والزيت بدلاً من الحليب واللحوم التي يعتاد عليها سكان شمال مالي- بدأ اللاجئون بصناعة منتجات الألبان الخاصة بهم وإدارة مسلخ بمساعدة من منظمة "العمل على مكافحة الجوع".
من جانبه، قال مويسي بالو، الرئيس المؤقت لبرنامج الأغذية العالمي في موريتانيا، مازحاً: "إدارة المسالخ ومصانع منتجات الألبان ليست حرفتنا" لكن المنظمة تبحث في ما إذا كان توزيع النقود سوف ينجح في المخيم وإذا كان الناس سيتمكنون من شراء ما يريدون بهذه النقود.
وإدراكاً منها للمضاعفات المحتملة على إدارة سلسلة إمداد صحيّة لتوفير اللحوم ومنتجان الألبان، تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها على استعداد لتحصين الحيوانات باللقاحات اللازمة والقضاء على الديدان من أجل تقليص مخاطر انتشار الأمراض.
وفي الوقت الحالي، هناك 14 مصنعاً لمنتجات الألبان، تقوم بتوزيع الحليب على الأسر التي لا يتوفر لديها ماشية لإنتاجه. وقال راعي يدعى عطية حج محمود واصفاً مرضاً أسماه 'تاكاجريس' بلغة التاماشيك المحلية: "الحليب بالنسبة لنا أمر لا غنى عنه. فإذا لم يتوفر لدينا الحليب فسوف نمرض ... من دون حليب، نصاب بالحمى، ولا تكون لدينا طاقة، ونصاب بالإسهال، ويمكن أن نصاب بالقيء كذلك،" قال ذلك وإلى جانبه راع آخر يومئ برأسه تأييداً لما يُقال.
أما الأسر التي لا تمتلك حيوانات فتلجأ في العادة إلى بيع جزء من حصتها الغذائية – عادة الفول- لشراء اللحوم والحليب والتوبل والفحم والصابون، وكلها تُباع بأسعار مُبالغ فيها.
الماء
وعلى الرغم من أنه لا يوجد الكثير من المواشي في المخيم، إلا أنه يوجد لدى معظم الأسر قريب، أو بالنسبة للميسورين، مساعد، يقوم برعاية مواشيهم في المناطق القريبة على طول طرق الرعي في موريتانيا ومالي. وتتطلب الحيوانات الموجودة في المخيم - على الرغم من قلتها - توفير مياه للشرب بشكل منتظم، لكن نقاط المياه الموجودة في شرق موريتانيا غير كافية، والكثير من تلك الموجودة فعلاً بحاجة إلى الترميم. بالإضافة إلى ذلك، هناك ندرة في المراعي نتيجة لضعف الأمطار التي هطلت على المنطقة هذا العام.
من ناحيتها، قامت منظمة أوكسفام ببناء حوضي مياه للحيوانات، على بعد بضع مئات الأمتار من المخيم، وتم ربطهما بنظام المياه في المخيم. وعندما قامت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بزيارة الموقع، كان هناك ما لا يقل عن 300 رأس من الأبقار والماعز والأغنام ينتظرون دورهم للشرب. لكن المياه كانت قليلة في الحوض، الذي صمم للأغنام والماعز، مما تسبب في غضب بعض الرعاة.
وقال أحد الرعاة ويدعى محمد ديرجا داير محمد: "يستمر المالك في قطع المياه، وبالتالي نضطر للانتظار لساعات". وفي حين أن معظمهم قالوا أنهم يُقدّرون توافر المياه، إلا أنهم يحتاجون إلى بناء المزيد من الأحواض في المساحة التي تمتد بين المخيم ومالي. "إننا حقاً بحاجة إلى مساعدة. الحيوانات ليست في حالة صحيّة جيدة. إنها بحاجة إلى المزيد من المياه. وإلى لقاحات... من الصعب البقاء على قيد الحياة بهذه الطريقة".
إلى ذلك، حذرت منظمة "سبانا" الألمانية غير الحكومية من أن توفير نقطة مياه واحدة أو اثنتين حول المخيم يشجع الحيوانات على البقاء في مكان واحد، ومن ثم يؤدي إلى الإفراط في الرعي، وقد نصحت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن تقوم بدلاً من ذلك بدعم إنشاء نقاط لتوزيع المياه على طول مسارات الرعي التقليدية.
من جهته، أبدى هوفيج اتييميزيان، رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في باسيكونو، التي تعد مركزاً للوكالات العاملة في مبيرا، تقبله لذلك. وأشار إلى أن الوكالة قد انتقلت من مرحلة الطوارئ، عندما كانت تركز على تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين، وأضحت الآن تعالج المسائل المتعلقة بنوعية الحياة: كيفية مساعدة اللاجئين على إدرار الدخل، وتحسين المدارس، وتلبية احتياجات الحيوانات. ويقوم اتييميزيان حالياً بجمع معلومات بشأن المناطق التي ينبغي أن يتم فيها بناء نقاط مياه للحيوانات أو ترميمها.
وفي هذا الصدد، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "يتعين علينا أن نلبي احتياجات فئات اللاجئين الموجودة لدينا هنا، وبالتالي إذا كانوا من مالكي الماشية، فيجب أن نعالج هذه الاحتياجات".
وقال أحمد إبراهيم، رئيس منظمة SOS Desert المحلية أن المنظمة تسعى إلى مساعدة الرعاة عبر توزيع العلف للحيوانات التي تنتج الحليب وتحصينها والقضاء على الديدان وترميم عشرات الآبار الخاصة بالرعاة حول المخيم، وإقامة ما يعرف ببساتين الضواحي أو الحدائق التسويقية، من بين مجموعة أنشطة أخرى "حتى لا يفقد الناس الأمل". وأضاف أن مساعدة الأسر المضيفة من شأنه أن يعزيز الوئام بينهم. ولكن هذه الأنشطة، بحسب أحمد، لم تصل إلا إلى 2 - 5 بالمائة فقط من الحيوانات في المخيم.
الأمن
وتتطلب الجهود التي تبذلها وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتحسين أوضاع الرعاة في المخيم مراعاة احتياجهم للتنقل بحثاً عن المراعي واليقظة من أجل إحاطة المسؤولين بالأوضاع الأمنية.
وتعمل المفوضية مع بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي وآخرين من أجل تحديد مناطق الأمان في مالي وفق ثلاث درجات أو مستويات هي الأخضر والبرتقالي والأحمر.
ووفقاً للإحصائيات الرسمية، بلغ عدد سكان المخيم الذين عادوا حتى الآن بشكل طوعي من مبيرا إلى مالي 1,000 شخص. ومع ذلك قال معظم الرعاة الذين تحدثت إليهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الظروف لا تزال غير آمنة للعودة، إذ يخشون أن يتم تصنيفهم وفقاً لانتمائهم العرقي كميليشيات وأن تسرق مواشيهم.
وقال راعي يدعى محمد حج عدنان، الذي جاء من منطقة تمبكتو، أن المزارعين استولوا على معظم رؤس الماشية، الخاصة باللاجئين الذين عبروا مؤخراً إلى مالي، التي تصل إلى 300 رأس. وعلى الرغم من أن رعاة آخرين قالوا ذلك أيضاً، إلا أن الوكالات التي تحدثت إليها شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) لم تستطع تأكيد هذه الأعداد.
وقال عدنان لشبكة إيرين غاضباً: "عندما نسمع أي مسؤولين رفيعي المستوى في مالي يتحدثون بشأن العودة، نحتج عليهم لأن المكان ليس آمناً بما يكفي للعودة".
لكن محمد قال لشبكة إيرين: "أنا أحب حياتي ]في مالي[، وفي ظل كل هذه المشكلات التي تواجهني هنا، ربما أخاطر بحياتي لكي أعود في وقت قريب".
وتحدث عدنان عن هجوم مزعوم على أحد الرعاة في 24 أكتوبر، نجم عنه سرقة 28 رأس ماشية.
ويتفق مع هذا اتييميزيان حيث قال أن "الأوضاع الأمنية لا تزال غير جيدة بما يكفي للعودة" موضحاً أنه لهذا السبب لم تقدم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد حزم العودة. لكنها تقدم بدلاً من ذلك إحاطات أمنية لأولئك الذين أعلنوا عن نيتهم في العودة، وتقوم بإعلام الزملاء في المفوضية وقوات الأمن على الجانب الآخر من الحدود في مالي حتى يقدموا لهم المساعدة.
لكن الراعي محمود حج محمد قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن مجموعة من الرعاة الذين حاولوا عبور الحدود مؤخراً ببطاقات اللاجئين الخاصة بهم قد أرغموا على دفع 4 دولارات للفرد إلى مسؤولي الحدود في مالي. وقال غاضباً: "وتم هذا عقب ساعات من المفاوضات".
أسلوب جديد
في عام 2012 في النيجر، عندما وصلت أول موجة من اللاجئين الماليين إلى منطقة تيلابيري، التي تقع بين العاصمة نيامي والحدود المالية، حاولت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تطبيق أساليب مماثلة لاستيعابهم في مخيم تقليدي.
ولكن عندما وصلت الموجه الثانية إلى الشمال، في إينتيكاني، التي تقع في منطقة تاهوا، ومعها المئات من رؤس الماشية، قررت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اتباع نهج مختلف.
وتشكل هذه المنطقة، التي تقع على مقربة من منطقة تخضع لسيطرة المتمردين المسلحين في مالي، خطراً يهدد توفير الحماية للاجئين، بالإضافة إلى أن عدد رؤس الماشية التي يصطحبها اللاجئون معهم تبدو أكبر من الطاقة الاستيعابية للمخيم. ولذلك طلبت المفوضية من الحكومة منطقة للرعي بعيدة من الحدود، وبدورها قامت الحكومة بتنسيق الاتصالات بين الوكالة وقبائل الطوارق العربية في منطقة إينتيكاني. وقد عقد الجانبان اتفاقاً يقوم المجتمع بموجبه باستقبال اللاجئين على أن تقوم الوكالة بترميم البئر الخاصة بهم التي تمتد على مسافة 700 متر. وبعد فترة وجيزة، قامت الوكالة بنقل نحو 9,000 لاجئ والآلاف من الأغنام والماعز والحمير والأبقار والإبل إلى المنطقة التي تمتد على مساحة 500 كيلو متر. وتم تحصين الحيوانات بمجرد وصولها حتى لا تنتشر الأمراض إلى قطعان الماشية التي يمتلكها السكان المضيفون.
وبناء على ذلك، أُعطيت الأسر اللاجئة خياماً مصنوعة من مواد تقليدية وقيل لها أن بإمكانها الاستقرار أينما تريد. وفي ظل كبر المساحة، استقرت الكثير من الأسر بعيداً عن نقاط المياه، ومن ثم زودتهم الوكالة بحمير وشاحنات لنقل المياه، مثلما فعلت في مالي من قبل. وبدلاً من أن يطلقوا على المكان اسم مخيم إينتيكاني، أطلقوا عليه 'منطقة استقبال'.
منطقة مجهولة
ولم تقم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد بجمع أفضل الممارسات بشأن كيفية التعامل مع السكان الرُّحَّل. وفي هذا الصدد، قال كارل ستينايكر، رئيس المفوضية في النيجر: "إننا نلج أرضاً مجهولة فيما يتعلق بالإرشادات المكتوبة... عندما يبحث المرء في المبادئ التوجيهية للوكالة أو معايير مشروع اسفير، ليس ثمة مخطط يوضح كيفية تلبية احتياجات اللاجئين في مثل هذه البيئة- توجد معايير الحد الأدنى فيما يتعلق بالاستهلاك البشري من المياه ولكن ليس للحيوانات".
وكان للنهج الذي اتبع في إينتيكاني فوائد كبيرة فيما يتعلق بسبل العيش، إذ أظهرت نتائج عمليات التقييم أن 11 بالمائة فقط من السكان يعتمدون على حصص الإعاشة التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي كمصدر أساسي للدخل، مقارنة بنصف المقيمين في مخيم أبالا الأكثر تقليدية في النيجر. وهذا يشير، بحسب ستينايكر، إلى أن قدرة السكان على تربية مواشيهم وبيعها قد ساعدهم في الحفاظ على استقلاليتهم وأسلوب حياتهم.
ولكن كانت هناك مقايضات، ففي ظل المسافة الشاسعة التي تعمل فيها وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كان من الصعب ضمان إمكانية الوصول إلى المدارس والمراكز الصحية ومراكز توزيع المياه. وتعليقاً على هذا قال ستينايكر: "مراقبة الجودة أمر أكثر صعوبة في ظل مثل هذه المساحة الشاسعة. لا يمكننا من الناحية اللوجستية التحكم في سبل الوصول إلى جميع الأفراد". كما أن تكاليف التشغيل مرتفعة أيضاً بالنسبة لعدد اللاجئين.
وتساءل :"لكن ما هو البديل؟ ... هل نضعهم على شاحنات لنقلهم؟ وماذا عن الحيوانات الخاصة بهم وسبل معيشتهم وكرامتهم؟"
وأضاف ستيناكر أنه لا تزال هناك معدلات عالية من سوء التغذية في هذا المخيم والمخيمات الأخرى في النيجر، على الرغم من التغذية الشاملة التي تُقدم إلى جميع الأطفال دون سن الخامسة. وأوضح أن وكالات المعونة تواجه صعوبات في معالجة هذه المشكلة، مستشهداً بعوامل تساهم في المشكلة مثل ارتفاع أعداد الأطفال الذين يعولون أسرهم وانخفاض معدلات التعليم بين النساء.
وإدراكاً منها للفوارق الاجتماعية بين الطبقات العليا والدنيا بين الطوارق والعرب والسود في مالي، تسعى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى فهم أفضل للتقسيمات الطبقية الاجتماعية بين اللاجئين بغية ضمان المساواة في الحصول على الخدمات. فعلى سبيل المثال، ينتمي الكثيرون من المقيمين في إينتيكاني لطبقات اجتماعية دنيا في الطوارق، ما يساهم في انخفاض معدلات الالتحاق بالمدارس لأن الأطفال غالباً ما يكونون منشغلين في رعاية الحيوانات الخاصة بأسر الأخرى.
في السياق ذاته، يتم حالياً بناء منطقة استقبال ثانية شمال الدولة في منطقة تيساليت، بالقرب من الحدود مع الجزائر. ويأتي هذا بعدما وصل نحو 1,300 من مالي إلى المنطقة في الأشهر الأخيرة، هرباً من العنف الدائر في منطقة كيدال، شمال مالي. ومن المقرر أن يتم إدارة المنطقة بالطريقة نفسها، حيث عقدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اتفاقاً مع المضيفين الرعاة، الذين سوف يقومون باستقبال اللاجئين في مقابل إصلاح شبكة المياه الخاصة بهم.
وختاماً، قال ستينايكر أن "هذه تجربة، ومن المبكر جداً ادّعاء نجاحها" مشيراً إلى أنه لم يمر على بدء المشروع سوى تسعة أشهر. وأضاف بقوله: "ولكن بصراحة، نعتقد أن المقايضات العديدة جديرة بالاهتمام لأن هذا ما يريده الناس هنا".
aj/rz-kab/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions