والآن، تطغى أزمة اللاجئين السوريين على حالتهم - التي تتفاقم بالفعل بسبب خفض التمويل في السنوات الأخيرة - مما يجعلهم عرضة للخطر بشكل متزايد، على الرغم من فرار المزيد منهم إلى الأردن كل شهر.
وكان العديد من الأشخاص ينظرون إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق في عام 2011 على أنه نهاية عقد من العنف في العراق الذي بدأ في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأعمال العنف الطائفي اللاحقة التي أرغمت حوالي 3.8 مليون عراقي على الفرار من ديارهم.
ولكن في السنتين الماضيتين، فر ما بين 200 و250 عراقي إلى الأردن شهرياً، وفقاً لمنظمة كير الدولية، وهي واحدة من المنظمات غير الحكومية الرئيسية التي تعمل مع اللاجئين العراقيين في الأردن. وفي العام الماضي، بلغ متوسط عدد الوافدين الجدد 400 في الشهر، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وحتى الآن، تم تسجيل 1,569 شخصاً كلاجئين هذا العام، أي بمعدل يزيد قليلاً عن 300 في الشهر. وقد تؤدي زيادة التفجيرات وأعمال القتل الأخرى التي اندلعت في العراق خلال الشهرين الماضيين إلى ارتفاع تلك الأرقام.
وقد أشارت تقديرات الحكومة الأردنية في عام 2007 إلى وجود نحو 450,000 عراقي في الأردن، ولكن جهات عديدة تعتقد أن هذه الأرقام مبالغ فيها.
أحد تلك المؤشرات هو تسجيل 29,000 عراقي فقط لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويرجع ذلك أيضاً إلى حقيقة أن الكثير من العراقيين جاءوا الى الأردن بأموال أكثر من اللاجئين الآخرين. وقال ممثل المفوضية في الأردن أندرو هاربر للصحفيين خلال مؤتمر عقد مؤخراً بشأن اللاجئين العراقيين أن أولئك الذين سجلوا أسماءهم لدى المفوضية "فقراء للغاية". وعلى الرغم من أنهم ربما كانوا يمتلكون آليات تكيف فور وصولهم، إلا أنها "نفدت" كما أوضح هاربر في وقت لاحق خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
وقالت دومينيك هايد، ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في الأردن: "ما يقلقنا حقاً الآن هو أن عدد العراقيين يبدو أنه يتزايد. ومن الواضح أن تركيزنا كان ينصب على السوريين".
من جانبها، أفادت منظمة كير أن معظم اللاجئين العراقيين المسجلين يعتمدون على المساعدات النقدية المقدمة من وكالات المعونة، والتي تم تخفيضها أو توقفت تماماً في السنوات القليلة الماضية.
"ونظراً لتدهور الأزمة السورية، أصبحت القضية العراقية غير مرئية،" كما أشار كيفن فيتزتشارلز، المدير القطري لمنظمة كير في الأردن، في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، مضيفاً أن "هناك حوالي 30,000 عراقي مستضعف في الأردن، وهؤلاء لن يرحلوا في أي وقت قريب، وبحاجة إلى مساعدة. فمن سيقدم لهم يد العون؟"
البطالة والفقر
وقد وجد تقييم الضعف، الذي أجرته منظمة كير في مارس 2013، أن معظم العراقيين يعتمدون على معونة "مستوى الكفاف"، مما يعني أنهم يحصلون في المتوسط على إعانة نقدية تبلغ 119 ديناراً أردنياً (168 دولاراً) شهرياً، بينما تزيد نفقاتهم عن هذا المبلغ بمقدار 167 ديناراً أردنياً (236 دولاراً).
ووجد المسح أن العراقيين يقترضون من العائلة والأصدقاء، ويحصلون على قروض بنكية، ويأكلون كميات أقل من الطعام، ويتقاسمون الوحدات السكنية لسد هذه الفجوة في الدخل.
وعلى الرغم من أن العراقيين يحصلون على الرعاية الصحية والتعليم مجاناً في الأردن، إلا أنه "من المستحيل تقريباً" بالنسبة لهم الحصول على تصاريح عمل، كما قال أحد عمال الإغاثة. ومن أجل التقدم بطلب للحصول على وظيفة في الفئات المهنية العشر المتاحة لهم، يجب أن يكون لدى العراقيين تصاريح إقامة سارية في الأردن، وهو ما يتطلب إما إيداع 25,000 دينار أردني (35,285 دولاراً)، أو الزواج من مواطن أردني، أو كفالة صاحب العمل الذي يجب أن يثبت عدم وجود أي أردني يستطيع القيام بهذه المهمة.
وقال مهند ضامن، الذي غادر العراق قبل عامين، ولكنه لا يزال يصارع البطالة والفقر في الأردن: "لم أكن أدرك مدى صعوبة البحث عن وظيفة حتى اليوم الذي أصبحت فيه لاجئاً".
وقد وجد التقييم الذي أجرته منظمة كير أن اللاجئين يجب أن يعيشوا على قدر أقل من المال، مما يؤثر على التغذية والنظام الغذائي. وأكد أكثر من 40 بالمائة من الأسر الذين تمت مقابلتهم أنهم تخلوا عن وجبة واحدة يومياً، ويشعرون بالجوع طوال الوقت.
نقص التمويل
وقال فيتزتشارلز أن إثارة اهتمام الجهات المانحة بالعراقيين في الأردن أصبح أكثر صعوبة خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في أعقاب الأزمة السورية.
ونوهت ماريلينا كاتزيانتونيو، منسقة الاستجابة السريعة لدى المكتب الإقليمي لدائرة المساعدات الإنسانية (إيكو) في عمان إلى أن "قصتهم انتقلت إلى [مرحلة] ما بعد حالة الطوارئ، ونحن نقدم [المساعدة] الفورية في حالات الطوارئ الإنسانية، ولكننا الآن بحاجة إلى جهات مانحة تعمل على المدى الطويل للتعاون مع الحكومة الأردنية لإيجاد حلول مستدامة لمشكلتهم".
وفي أعقاب انخفاض عام في التمويل على مدار السنوات الماضية، أوقفت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC) تمويلها للاجئين العراقيين تماماً العام الماضي بسبب نقص الأموال، التي تم توجيهها لمساعدة اللاجئين السوريين. وقال المدير الإقليمي بيت فون دانيكن: "هناك بالتأكيد فئات ضعيفة تم نسيانها".
ونتيجة لذلك، تم تخفيض الخدمات وعدد العراقيين الذين يتلقون المساعدة أيضاً.
وحذر هاربر من أن "الخدمات تتعرض لضغوط كبيرة وهذا لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة".
وفي السياق نفسه، أفاد فيتزتشارلز أن منظمة كير كانت تساعد 12,000 لاجئ قبل عامين، على سبيل المثال، ولكنها الآن تستطيع فقط تقديم المساعدات النقدية والمواد غير الغذائية، مثل البطانيات وأجهزة التدفئة، وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي لنحو 9,000 شخص فقط.
وقال معاذ عصفور، منسق التوعية في مركز ضحايا التعذيب (CTV)، أن قائمة الانتظار الخاصة بالعراقيين الذين يطلبون المساعدة من منظمته تضم 200 شخص. وأضاف في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الكثير من العراقيين عانوا من حوادث مؤلمة مثل الاختطاف، ومشاهد العنف والموت، والتفجيرات والاغتصاب".
وتستقبل مراكز ضحايا التعذيب ووحداتها المتنقلة في عمان والزرقاء حوالي 200 حالة جديدة من العراقيين والسوريين كل ثلاثة أشهر، ولكنها لا تستطيع مجاراة هذه الزيادة في الأعداد: "هؤلاء الناس بحاجة إلى مساعدة، ولكن نظراً لمحدودية التمويل، يجب إضافة المزيد منهم إلى قائمة الانتظار."
حلول دائمة؟
ولا تزال الحكومة تنظر إلى العراقيين في الأردن على أنهم "ضيوف". ويعيش معظمهم في الجانب الشرقي الفقير من العاصمة عمان وفي محافظة الزرقاء المجاورة ولا يملك العديد منهم سوى خيارات محدودة.
وقالت حنان شاكر، التي فرت من العراق منذ عام ونصف بعد تلقيها تهديدات بالقتل: "أشعر أنني محاصرة هنا: لا [فرصة] للعودة أو إعادة التوطين في مكان آخر، وهذا المكان لن يكون أبداً مثل الوطن. أشعر بأنني معزولة عن الجميع".
ويقول الباحثون وعمال الإغاثة والعراقيون أن معظم اللاجئين العراقيين فروا من العنف في بلادهم على أمل إعادة توطينهم في بلد ثالث.
ولكن "في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية وانخفاض عدد البلدان التي ترغب في منح حق اللجوء للاجئين العراقيين، أصبح تحقيق هذا الخيار شديد الصعوبة أيضاً،" كما أكدت إيزيس نصير، وهي أستاذ مشارك الدراسات الدولية في جامعة دينيسون، في مقال نُشر مؤخراً في تقرير الشرق الأوسط.
وأضافت أنه منذ عام 2007، سمحت الولايات المتحدة بإعادة توطين ما يقرب من 65,000 لاجئ عراقي على أراضيها.
وقال هاربر من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للصحفيين أن هناك 1,500 لاجئ سيتم توطينهم في الولايات المتحدة واستراليا وكندا هذا العام.
وأضاف قائلاً: "لسوء الحظ، يعتقد العراقيون أنه سيعاد توطينهم جميعاً، ولكن هذا غير صحيح".
وفي هذه الأثناء، تواجه وكالات المعونة التحدي المتمثل في إيجاد أفضل الخيارات لأولئك الذين لن يعاد توطينهم، كما أشار هاربر.
وأوضحت نصير في مقالها أن "هذه الوتيرة البطيئة جداً [من إعادة التوطين]، جنباً إلى جنب مع استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية وتشديد القيود على طلبات اللجوء، تعني أن العديد من اللاجئين العراقيين سيظلون في طي النسيان في المستقبل القريب".
aa/ha/cb-ais/dvh
"