يعد تسريح المقاتلين السابقين كجزء من اتفاق سلام خطوة صعبة في أحسن الأحوال. ولكنها تخضع للتجربة على نحو متزايد – من كينيا إلى الصومال – وسط النزاعات الدائرة حالياً لمحاربة التمرد، مما يضيف مستوى جديداً من التعقيد.
وتهدف عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج إلى الحد من مخاطر اشتعال العنف من جديد عن طريق تحفيز السلام. وتعتبر المشاركة فيها أمراً ضرورياً للحفاظ على الاتفاقات التي تبرم بعد انتهاء النزاع.
لكن الحقيقة تكون في كثير من الأحيان أكثر اختلاطاً، فإعادة الإدماج عملية صعبة، خصوصاً عندما يسيطر قطاع الأعمال غير الرسمي على الاقتصاد. وبينما تخّرج برامج التدريب المهني في العادة آلاف النجارين، قد تكون الأموال النقدية والعلاج خياراً أفضل.
وغالباً ما تتعرض المجتمعات السابقة للتشريد والتفكيك والترويع، مما يجعل عملية إعادة الإدماج أكثر صعوبة. لكن يتم وعلى نحو متزايد اللجوء إلى نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج عندما لا يكون هناك سلام يستدعي الحفاظ عليه. وينظر إلى هذه العملية على أنها عنصر مفيد في إعداد برامج مكافحة التطرف العنيف الذي يعطي الأولوية للأهداف الإنمائية التقليدية بدلاً من الطائرات بدون طيار والقوات الخاصة التي تقترن في كثير من الأحيان "بالحرب على الإرهاب".
لكن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج أصبحت سياسية الآن أكثر من أي وقت مضى. وباتت برامج العفو والوعود التي يتم قطعها للمقاتلين المستسلمين بالحصول على المنح والدعم تستخدم لإضعاف صفوف الخصوم، تماماً كما تفعل العمليات العسكرية التقليدية.
لكن هناك أمور أخرى تستدعي القلق. فما هو الإطار القانوني للتمييز بين برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج من جهة والاعتقال العادي من جهة أخرى؟ وما هي معايير الانخراط فيها وضمانات حقوق الإنسان؟ ولا تزال هناك أسئلة أساسية على نطاق أوسع حول المبادئ وتوفر الموارد والأموال والشراكات لتقديم برامج فعالة،" كما أفاد الباحثان جيمس كوكاين وسيوبان أونيل.
مبادرة محلية
لكن بغض النظر عن التحديات، قررت النيجر الخوض في هذه التجربة. فمنذ عام 2015، يعاني هذا البلد الذي يقع في منطقة الساحل من هجمات حركة بوكو حرام الجهادية، التي تعبر بسهولة حدودها مع جارتها الجنوبية نيجيريا لتنفيذ الهجمات والتجنيد.
وفي ديسمبر الماضي، أطلقت حكومة النيجر برنامجاً لمكافحة التطرف وإعادة إدماج قاتلي بوكو حرام الذين ألقوا السلاح. وقال وزير الداخلية محمد بازون عند إعلانه عن المبادرة في مدينة ديفا جنوب البلاد: "سنضمن لهؤلاء الأمن وسنتجنب اللجوء إلى السجن ... سنقوم بتعليمهم عدداً من الانشطة".
وتبنى محافظ ديفا محمد الوالي دان دانو هذه المبادرة المحلية بحماس واستعان بجامعة ديفا لتقديم المشورة والمساعدة في قبول المجتمع للأشخاص "التائبين" كما يُشار إليهم.
وينخرط أكثر من 150 شخصاً حالياً في البرنامج، من بينهم بعض "زوجات" المقاتلين و28 صبياً. ويذكر أن البرنامج أطلق في البداية في مدينة ديفا، لكن الظروف كانت سيئة جداً لدرجة دفعت البعض إلى محاولة الهرب. ومنذ ذلك الحين، تم نقل المجموعة غرباً إلى مخيم بني أصلاً لإيواء اللاجئين في مدينة غودوماريا، التي تقع على بعد ساعتين بالسيارة.
وقد أصبحت ظروفهم أفضل بكثير الآن، إذ تتوفر لهم المياه ويقدم لهم الطعام بانتظام. كما يوجد لديهم مستوصف صغير. ولكنهم لا يحصلون على أي دعم نفسي واجتماعي أو تدريب مهني، ولا تقدم الدروس للأطفال.
وقالت فيفيان فان ستيرتيغيم، ممثلة صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في النيجر، التي زارت المخيم مؤخراً: "ربما تكون المشكلة الرئيسية التي تواجه الشباب هي الملل وانعدام فرص التعلم والترفيه".
القيام بالمزيد
من جهته أوضح بوكاري كاسوم، رئيس قسم السلام والتنمية في جامعة ديفا: " لم يتم إعداد البرنامج بشكل نهائي بعد ... ولكن من الجيد أنه قد بدأ".
وقالت ستيرتيغيم أنه سيتم بناء 12 مركزاً مجهزاً بالكامل للتدريب المهني بتمويل من الاتحاد الأوروبي في كل بلدية من بلديات ديفا، وهو ما يشكل استثماراً جيداً في منطقة محرومة لم تشهد إنشاء مدارس قبل أواخر التسعينيات.
ويتضمن برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الإفراج التدريجي عن نحو 80 من القصر الذين تم القاء القبض عليهم على جانبي الحدود واحتجازهم في العاصمة نيامي. وسيتم ارجاع هؤلاء إلى ما يسمى "مراكز العبور والتوجيه" في ديفا ومن ثم إعادتهم إلى أسرهم، حيث سيتم تفقدهم بشكل دوري قبل السلطات.
ولم يُسمح لستيرتيغيم تقديم المزيد من التفاصيل، وقالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "يعتبر ذلك جانباً جديداً نسبياً بالنسبة للنيجر، وهو حساس للغاية".
ويتركز جزء من المشكلة حول قبول المجتمع. من المتوقع مثلاً أن يكون لدى مصطفى رادو، هو عمدة غودوماريا، أي نوع من المشاركة في برنامج مكاربة التطرف. ولكن عندما زارت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) غودوماريا كان بصدد زيارة مخيم التائبين الذي يقع على بعد ستة كيلومترات فقط خارج البلدة. وكان من الواضح أنه يعتبر المبادرة مدفوعة من قبل وزارة الشؤون الداخلية وأنها فرضت على غودوماريا.
وعن ذلك قال لشِبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لا أعرف ما الفائدة التي سنجنيها [من هذا البرنامج]". فجماعة بوكو حرام هي ببساطة بالنسبة لمصطفى مجموعة من القتلة. وأضاف قائلاً: "لا نعرف ماذا يريدون ... أنهم لا يقومون بشيء سوى الذبح. ما يقومون به تفسير خاطئ للإسلام ... إنه يشبه ثورة يقوم بها أشخاص لم ينشؤوا بشكل صحيح ولم يستمعوا إلى آبائهم".
الفرق بين النيجر ونيجيريا
وجنوب شرق النيجر منطقة يسكنها الكانوري، وهي المجموعة العرقية ذاتها التي ينتمي إليها الجزء الأكبر من أتباع بوكو حرام في نيجيريا. وكان محمد يوسف، مؤسس الجماعة، وخلفه أبو بكر شيكاو من الشخصيات المعروفة في ديفا قبل بدء التمرد عام 2009.
لكن لم يتفق أي من الأشخاص الذين تحدثت إليهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) على أن الانجذاب نحو أيديولوجية بوكو حرام، وهي رفض الثقافة الغربية، هي السبب الحقيقي وراء الالتحاق بصفوف الجماعة.
وتعتبر النيجر بلداً إسلامياً محافظاً. فوفقاً لمسح أجرته مؤسسة أفروباروميتر عام 2013، يرغب 67 بالمائة من سكان البلاد في تبني الشريعة الإسلامية في الدستور. ولكن دراسة لمعهد التنمية الخارجية أفادت أن ذلك انعكاس لتوقهم للعيش في مجتمع أكثر عدلاً.
ولا تواجه الديمقراطية التعددية الرفض في النيجر، لكن فشل النظام وتفضيله الظاهر للأغنياء وعدم تمكين الفقراء من القضايا موضع النقاش في البلاد.
غير أن الكاسر الفزاز، من المنظمة غير الحكومية إس أو إس سيفيزم النيجر يصر على أن العوامل التي شجعت التطرف العنيف في نيجيريا غير موجودة في النيجر.
وأوضح أن "السلطة السياسية في نيجيريا غير فعالة ... نيجيريا دولة فيدرالية لكن النيجر دولة وحدوية ويمكنها أن تستجيب بسرعة [للتهديدات]. لدينا قوانين تحظر خطاب الكراهية كما تخضع وسائل الإعلام للتنظيم".
ولذلك ينظر إلى الدافع وراء انضمام شباب النيجر إلى بوكو حرام على أنه اقتصادي بشكل حصري تقريباً، إذ تعتبر ديفا منطقة مهمشة، وقد تفاقمت مستويات الفقر فيها بسبب الجفاف الذي ضربها عامي في 2010 و2011، تبعته فيضانات 2012 و2013 التي ضربت المحصول الرئيسي المدر للدخل وهو الفلفل. كما تسبب انعدام الأمن في تقليص الإنتاج بشكل أكبر.
الأعباء
وقال كاسوم من جامعة ديفا أن "ما نتصوره هو أن الناس ذهبوا بحثاً عن المال". عاد الشباب الذين انضموا إلى بوكو حرام محملين بالغنائم، مما شجع الآخرين على الانضمام إلى الجماعة. لكن بوكو حرام أوصدت الباب أمامهم "ولم تسمح لأي شخص للعودة " سوى المسلحين المستعدين للقتال.
وشكلت استراتيجية مكافحة التمرد التي وضعتها الحكومة عبئاً ثقيلاً. فقد طهرت المجتمعات من الجزر في بحيرة تشاد وعلى طول نهر كومادوغو غانا الذي يشكل الحدود مع نيجيريا، مما فاقم عدد النازحين البالغ 121,000 شخص.
ويرى أبو بكر عيسى، وهو أحد قادة الشباب في ديفا أن أن الأولويات تقلب رأساً على عقب عند الحديث عن التائبين. وأخبر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "على الحكومة أولاً زيارة هذه المجتمعات التي فقدت كل شيء وباتت تعيش تحت الأشجار. عليها زيارة هؤلاء الناس وطمأنتهم وإعادتهم إلى منازلهم ومنحهم الوسائل اللازمة للاستقرار من جديد ... وبعد ذلك يمكنها التركيز على المقاتلين السابقين ومساعدتهم على العودة إلى مجتمعاتهم."
لا يريد الناس التدريب المهني فقط بل هم بحاجة إلى فرص عمل حقيقية. وقال عيسى أن الاحتياجات ماسة "لدرجة أنه إذا استمرت الحكومة في القول أنها ستقوم بإدماج أعضاء بوكو حرام، فلن يبقى أحد من الشباب هنا ... سينضمون جميعاً [للاستفادة من حزمة إعادة الإدماج]."
والنموذج الذي يطمح إليه الشباب في ديفا للشباب هو اتفاق يشبه اتفاق السلام بين الحكومة والمتمردين الطوارق في الشمال الذي وضع حداً لتمرد 2007-2008. ففي ذلك الوقت استجابت الحكومة لمطالب الطوارق بالمزيد من المشاركة عن طريق توفير فرص عمل للمقاتلين السابقين.
وتقول ستيرتيغيم أن ظروف اتفاق السلام هذا وعملية النزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج التقليدية تختلف كثيراً عن الوضع الحالي - حيث تحتاج المنطقة بأكملها إلى دعم ومساندة.
وأضافت أن "الحكومة وشركاؤها يحاولون ضمان نوع من المساواة في الفرص المقدمة للشباب - لأولئك الذين يعودون من بوكو حرام والشباب الذي بقي هنا".
تغطية إضافية من أبو بكر سيدي
(الصورة الرئيسية: رجال من النيجر. جيرار بونتو)