ومن هذا المنطلق، فقد دعت منظمة أطباء بلا حدود إلى تفعيل اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، وهي هيئة تحقيق وليست كياناً قضائياً، تم إنشاؤها عام 1991 بموجب اتفاقيات جنيف إلا أنها لم تقم بإجراء أية تحقيقات حتى الآن.
وفي ما يلي نبذة عن السياق التاريخي والقضائي للهجمات السابقة على المرافق الطبية.
ما مدى شيوعها في زمن الحرب؟
لطالما شكلت الهجمات على المستشفيات سمة مؤسفة من سمات النزاعات المسلحة على مدى عقود. ومن أبرز الحالات في هذا المجال الهجمات التالية:
سراييفو: كان مستشفى كوسيفو يشكل المرفق الطبي الرئيسي في سراييفو عندما وقعت المدينة تحت الحصار في عام 1992 وتعرض للقصف أكثر من 100 مرة خلال السنوات الثلاث التالية، وفي بعض الأحيان من مسافة قريبة جداً.
فوكوفار: تم قصف المستشفى في هذه المدينة الكرواتية من قبل الجيش الشعبي اليوغوسلافي (JNA) عند حصاره للمدينة عام 1991. حيث قام الجيش في 20 نوفمبر باقتياد ما يقرب من 300 شخص من داخل المستشفى إلى مزرعة نائية وإعدامهم. وقد تم اعتبار هذه الواقعة جريمة حرب إلى جانب الكثير غيرها من الفظائع التي ارتُكبت في فوكوفار، وشكلت جزءاً من لائحة الاتهام الكرواتية ضد الرئيس الصربي في ذلك الحين سلوبودان ميلوسيفيتش.
موليافايكال: في عامي 2008 و2009، وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش 30 هجوماً على المرافق الطبية في أقل من ستة أشهر في سريلانكا. وكان أبرزها قصف مركز موليافايكال الطبي في سريلانكا، الذي كان يقع في "منطقة حظر إطلاق النار" خلال نهاية حرب أهلية طويلة، وقد تعرض هذا المستشفى المؤقت لهجمات متكررة من قبل الجيش السريلانكي خلال الفترة من 28 أبريل إلى 3 مايو 2009. ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش تلك الهجمات بجرائم حرب.
وبالإضافة إلى هذه الحالات، تعرضت مستشفيات للهجوم في السنوات الأخيرة في أفغانستان وسوريا والكونغو وغزة وجنوب السودان.
ولا يقتصر الأمر على المستشفيات فقط. فقد كشفت دراسة أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخراً عن ارتكاب 2,398 حادثة عنف ضد مرافق الرعاية الصحية ومقدمي الخدمات الصحية في 11 دولة على مدار عامين (من 2012 إلى-2014).
هل تتمتع المستشفيات بحماية خاصة في ظل القانون الدولي الإنساني؟
نعم. وقد وُصفت الهجمات على المستشفيات بأنها أول جريمة حرب تم تعريفها: وتمت تغطيتها تحديداً في تصنيف جرائم الحرب الذي كتبه ابراهام لنكولن خلال الحرب الأهلية الأمريكية، وهو واحد من أول التشريعات من هذا النوع. واستخدمت كلماته بشكل حرفي إلى حد كبير في صياغة اتفاقية جنيف الرابعة في عام 1949، التي تُعد القاعدة الأساسية الرئيسية في القانون الدولي الإنساني لتوفير حماية خاصة للمرافق الطبية في زمن الحرب. وتم التوقيع عليها من قبل 196 دولة.
إذاً، ماذا يحدث عند الاشتباه في ارتكاب جريمة حرب من هذا القبيل؟
تقع المسؤولية الأولى في حالة الاشتباه في انتهاك القانون الدولي الإنساني على عاتق القوة العسكرية المعنية، التي من المفترض عليها إجراء تحقيقات، وعند الضرورة معاقبة الجناة.
وفي هذا السياق، يقول داستن لويس، أحد كبار الباحثين في البرنامج المعني بالقانون الدولي والنزاع المسلح في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، أن المحكمة الجنائية الدولية تظهر في الصورة فقط "حيثما تكون لها ولاية وحيثما تكون الدولة ذات الصلة غير راغبة أو غير قادرة فعلياً على التحقيق، وإذا اقتضى الأمر، تنفيذ الملاحقة القضائية للسلوك الضمني. وبعبارة أخرى، فإن نظام المحكمة الجنائية الدولية مصمم لمساندة التحقيقات التي تُجريها الدول".
في حالة قندوز، هناك عامل تعقيد إضافي، وهو أن الحكومة الأمريكية ليست طرفاً في نظام روما الأساسي الذي يدعم المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من أن أفغانستان، التي وقع بها الحادث، طرف فيه.
كم عدد الملاحقات القضائية التي تمت بموجب القانون الدولي الإنساني لمعاقبة الهجوم على المستشفيات؟
عدد قليل جداً. لم تُعرض أية قضايا تقريباً تتعلق بالمرافق الطبية على المحاكم الجنائية الدولية، وتلك التي عُرضت عادة ما تشمل الهجمات على المستشفيات كجزء من مجموعة أوسع من جرائم حرب مشتبه في ارتكابها.
فعلى سبيل المثال،تم ذكر الهجوم على مستشفى فوكوفار، على وجه التحديد، ضمن التهم الموجهة ضد الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، ولكن في سياق الحديث عن إعدام الأشخاص الذين أُخرجوا من المستشفى، وليس بالإشارة إلى الهجوم على المستشفى نفسه. وعلى أي حال، فقد توفي ميلوسيفيتش قبل أن تصل القضية إلى نهايتها.
كما شكلت الهجمات على مستشفى كوسيفو في سراييفو جزءاً من إجراءات التقاضي ضد الصربي البوسني ستانيسلاف غاليتش في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي. ومرة أخرى، تعقدت الأمور. ففي البداية، وجد قضاة المحكمة أن إطلاق النار على مباني مستشفى كوسيفو لم يستهدف أي هدف عسكري محتمل. ومع ذلك، فقد رأت دائرة الاستئناف أن النتيجة التي توصلت إليها الدائرة الابتدائية غير صحيحة جزئياً لأن المستشفى ربما كان يستخدم كقاعدة لإطلاق النار على قوات غاليتش، وفي هذه الحالة، كان المستشفى هدفاً عسكرياً، على الأقل بصفة مؤقتة.
هل النهج الوطني أفضل؟
ليس حقاً. فالتحقيقات التي يتم إجراؤها على المستوى الوطني عادة ما تطول لعدة سنوات، ولا تكون حاسمة. ففي حالة موليافايكال في سريلانكا، على سبيل المثال، وجدت لجنة الخبراء، التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة لدراسة المساءلة في الحرب هناك، أن المستشفى تعرض للقصف من قبل الجيش بالفعل على الرغم من أنه يحمل علامات واضحة تميزه كمنشأة طبية. وفي مايو 2010، شكل الرئيس ماهيندا راجاباكسا لجنة الدروس المستفادة والمصالحة الوطنية، التي لم تنظر في حوادث معينة لكنها خلصت بشكل عام إلى أنه على الرغم من مقتل مدنيين، فإنهم لم يكونوا مُستهدفين على وجه التحديد. وفي عام 2012، اختلف معها مكتب العدالة الجنائية العالمية التابع لحكومة الولايات المتحدة، وطلب من الحكومة السريلانكية إجراء تحقيق آخر في ما يعتبره مزاعم ذات مصداقية بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك هجمات على المستشفيات. وحتى الآن، لم يتم تحريك أية إجراءات جنائية.
وباختصار، فإن معظم مزاعم الهجمات على المستشفيات لا تحقق تقدماً كبيراً يتجاوز الاهتمام الإعلامي المكثف، والإدانة الغاضبة، وبيانات العلاقات العامة التي تُصاغ بعناية من قبل الجناة المزعومين.
هل يحاول أي شخص إصلاح هذا الأمر؟
نعم. تشعر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي المنظمة الأكثر ارتباطاً بالقانون الدولي الإنساني، بقلق شديد جعلها تنفذ مشروعاً مخصصاً للتركيز على حماية مرافق الرعاية الطبية أثناء النزاعات.
وتجدر الإشارة إلى أن مسألة القانون الإنساني الدولي كانت هي الشغل الشاغل للقمة العالمية للعمل الإنساني. وينص التقرير التجميعي، الذي يلخص المشاورات التي تم إجراؤها حتى الآن، على ضرورة مساءلة الجناة، ويعكس حث الدول على "إعادة تأكيد التزامها باحترام القانون الإنساني الدولي على نحو أفضل، وضمان احترامه بشكل أكبر". ولكن حتى الآن، يبدو أن القمة تفتقر إلى أفكار عن كيفية تحقيق هذا على أرض الواقع، أو ما قد يعنيه في الممارسة العملية، باستثناء الإشارة إلى توفير التدريب وطلب التزامات طوعية من الدول.
هل يعني هذا عدم وجود وسيلة لتحقيق تقدم؟
ليس بالضرورة، فالملاحقة القانونية للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني ليست هي السبيل الوحيد لتناول هذه المسألة. ويرى بعض المحامين أن ضحايا جرائم الحرب يحظون بفرصة أكبر للحصول على العدالة في حالة لجوئهم إلى مقاضاة الجناة بدلاً من الاعتماد على محاكم جرائم الحرب. وتشير محامية حقوق الإنسان لويز هوبر المقيمة بلندن إلى أن العديد من الضحايا حققوا نجاحاً في مقاضاة الحكومات في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا وحصلوا على تعويضات.
حيث فازت مجموعة من العراقيين الذين تعرض أقاربهم للاعتقال أو الاغتصاب أو القتل على أيدي القوات البريطانية،مثلاً، بقضيتهم في عام 2011 وحصلوا على تعويضات بلغت 23,000 دولار لكل منهم. وقالت هوبر: "أياً كانت النوايا وراء سن القانون الدولي الإنساني، فإن الواقع هو أنه نادراً ما يُطبق في الممارسة الفعلية، ولا سيما إذا كان مرتكبو الاعتداءات من دول غربية قوية، لم يوقع بعضها على مختلف الاتفاقيات والمحاكم على أية حال."
وأضافت أن "المسار البديل، الذي ربما يكون الأنجح في نهاية المطاف يتمثل في رفع دعوى قضائية لتعويض الضحايا. وهذا يعني أنه حتى لو أصبح المجتمع الدولي عاجزاً بسبب العملية السياسية، فإن الأفراد يمكنهم على الأقل الحصول على شكل من أشكال التعويض."
iw/am-ais/amz
* سوف تتولى هذه التحقيقات وزارة العدل الأميركية والبنتاغون وحلف شمال الأطلسي وفريق أميركي أفغاني مشترك