ورداً على ذلك، سعت أنقرة لحماية حدودها وجمع معلومات أفضل عن 1.9 مليون لاجئ سوري يعيشون داخل تلك الحدود. ولكن، بما أن البلاد تقيد حركة اللاجئين وتفرض غرامات قاسية على المنظمات غير الحكومية، يقول منتقدو تلك السياسات أنها قد تضر بجهود الإغاثة.
أقل انفتاحاًولا تزال الساحة التي تقع في بلدة سروج الصغيرة في جنوب تركيا محاطة بشريط يحدد مسرح الجريمة، وهو تذكير بصري بأنه يمكن أن يكون للصراع السوري عواقب مميتة هنا أيضاً.
فقبل ما يزيد قليلاً على ستة أسابيع، فجر انتحاري نفسه وسط حشد من الناس الذين تجمعوا لسماع بيان صحفي صادر عن نشطاء من الطلبة حول رحلتهم المخطط لها من أجل المساعدة في إعادة بناء مدينة كوباني الكردية السورية. وتم التقاط هذه الفظائع بواسطة الكاميرات ولقي 34 شاباً، معظمهم من الأتراك الأكراد، مصرعهم وأُصيب أكثر من 100 بجروح.
ومن المعتقد أن تكون هذه أول مرة ينفذ فيها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية هجوماً داخل الأراضي التركية، ولكنها لم تكن الأخيرة. فبعد بضعة أيام، شنت المجموعة الإسلامية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شرق سوريا هجوماً عبر الحدود على القوات التركية.وفي الوقت نفسه، تفجر بركان العنف بين تركيا وحزب العمال الكردستاني (PKK)، وهي مجموعة مسلحة تطالب بالحكم الذاتي في أجزاء من جنوب تركيا، مرة أخرى بعد انهيار اتفاق السلام الموقع في عام 2013.
وعلى بعد سبعة كيلومترات من سروج، يقع مخيم للاجئين السوريين يضم حوالي 20,000 شخص، معظمهم فروا من كوباني عندما حاول مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية الاستيلاء عليها في أغسطس 2014. وكان لتفجير سروج، الذي حدث في يوليو، تأثير مباشر على سكان المخيم، الذين أكدوا أنه لم يُسمح لهم بالدخول أو الخروج منه لمدة أسبوع بعد ذلك الهجوم. وحتى الآن، لا يُسمح لأحد بزيارة المخيم، ولا حتى أفراد الأُسر الموجودة بداخله.
"لقد أصبح كالسجن،" كما أفاد ممثل عن المجتمع السوري، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
كما بدأت السلوكيات تتغير أيضاً. فمعظم سكان بلدة سروج نفسها من الأكراد، والوافدون السوريون أيضاً من الأكراد. في البداية، كان السكان يرحبون بالوافدين ترحيباً حاراً، ولكن بعد ما يقرب من عام، بدأت العلاقات تتوتر. ويقول اللاجئون أنه منذ حدوث التفجير، انقلب عليهم كل من المسؤولين الأتراك والسكان المحليين على نحو متزايد.
وتقول نادية*، وهي شابة رعناء تبلغ من العمر 21 عاماً من كوباني، أن السكان أصبحوا أكثر عدوانية، وحتى الأتراك الأكراد يقولون الآن أنت كردي وأنت عربي. ويقولون: أنت سوري".
أما دانا، صديقتها ذات الحديث الأكثر رقة، فتقول أن السلطات التركية بدأت أيضاً في تضييق الخناق عليهم: "سمعت من رجال الأمن داخل المخيم أنهم يبحثون عن ذريعة [لطرد الناس]. حتى لو أثار طفل صغير مشكلة لهم، فإنهم يأخذونه ويضعونه خارج المخيم".
ويقول مسؤولون أتراك أن هذه التدابير ضرورية لحماية السوريين.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال متحدث باسم الحكومة: "في أعقاب هذا الهجوم الإرهابي [في سروج]، اتخذت السلطات تدابير أمنية إضافية لمنع إلحاق أي ضرر بمجتمع اللاجئين".
ولكن أورهان محمد، رئيس وحدة تنسيق الدعم، وهي منظمة إنسانية موالية للمعارضة السورية الرسمية، قال أن هذا التصلب في المواقف منتشر في جميع أنحاء تركيا.
"قال الأتراك هنا لأنفسهم: إن السوريين ضيوفنا. وسيبقون هنا لمدة عام أو عامين، وبحد أقصى ثلاثة أعوام. لكنهم الآن وجدوا أنهم سيظلون هنا [لمدة طويلة]. إنهم (اللاجئون) يغيرون الحياة الديموغرافية والثقافية. لقد أصبح قبول السوريين أقل من ذي قبل".
هذا ليس على ما يرام
واللاجئون ليس فقط من لاحظ تغير الأجواء، ففي الشهر الماضي، دخل مسؤولون أتراك إلى مكاتب إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية ومقرها في مدينة أنطاكيا الجنوبية وفرضوا غرامة تزيد عن 200,000 دولار.
وكانت هذه أحدث حلقة في موجة من الغرامات المفروضة على المنظمات غير الحكومية، التي كانت معظم مقراتها تقع في البداية في محافظة هاتاي، ولكنها الآن في غازي عنتاب أيضاً. وعلى الرغم من أن معظم المنظمات غير الحكومية التي تم تغريمها كانت من كبرى المنظمات الدولية، إلا أن الجماعات السورية المحلية قد تأثرت أيضاً. وتشير تقديرات متحفظة إلى أن مجموع الغرامات يربو على مليون دولار.
وتعترف المنظمات غير الحكومية بأنها لا تستطيع الاعتراض على الغرامات من الناحية الفنية، وذلك لعدم تسجيل موظفيها لدى الحكومة التركية، ولكن عملية التسجيل صعبة ومرهقة ومكلفة للغاية مما يجعلهم يعتقدون أن الالتزام باللوائح يكاد يكون ضرباً من المستحيل. وكل فلس يدفعونه كغرامة هو مال لا يمكن أن يستفيد منه شخص سوري محتاج، كما يقولون.
وتجدر الإشارة إلى أن كل مسؤولي المنظمات غير الحكومية الذين تحدثت معهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) كانوا حريصين على عدم لفت الانتباه إلى أنفسهم. وكان معظمهم غير مستعد للإدلاء بتصريحات رسمية خوفاً من إثارة غضب المسؤولين الأتراك.
وفي هذا الإطار، قال رئيس إحدى المنظمات غير الحكومية السورية التي لم يتم تغريمها أن "تركيا دولة لها قوانينها وأنظمتها ونحن ننتهكها. ربما لفترة من الوقت، كانوا متساهلين معنا، ولكنهم لم يعودوا كذلك".
"لكننا لا نستطيع دفع الغرامات. ولن نكون قادرين على دعم السوريين. ولذلك، فإننا بحاجة إلى التوصل إلى اتفاق،" كما أضاف.
من جانبه، يحاول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وهو هيئة الأمم المتحدة المعنية بتنسيق المعونات الطارئة، تشجيع الحكومة على التغاضي عن الغرامات التي أدت إلى توتر العلاقات بين تركيا ومجتمع المانحين. ويتحدث دبلوماسيون غربيون سراً عن احتمال قطع التمويل كوسيلة احتجاجية، إذا لم يتم إلغاء الغرامات.
وقال محمد من وحدة تنسيق الدعم، وهو واحد من مسؤولين قليلين أدلوا بتصريحات رسمية، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه يتفهم مخاوف الحكومة لكنه يشعر بالقلق من أن الغرامات ستلحق الضرر بالاستجابة الشاملة.
وقال أيضاً: "علينا أن نفهم وضعهم على الحدود في الوقت الحالي. لديهم 711 كيلومتراً [من الحدود] مع سوريا. وهي منطقة مفتوحة وهناك مجموعات مختلفة. إنهم يقاتلون الإرهابيين ويواجهون مجموعات مختلفة، وهذا حقاً ينعكس سلباً علينا [المنظمات غير الحكومية السورية]. كيف يمكننا الفصل بين هاتين المسألتين؟ لا اعرف".
وقد تغير الكثير بالنسبة للحكومة التركية منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011. وقد أدى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وطبيعة الصراع إلى نزوح جماعي لا مثيل له. "وفي ضوء هذه التطورات، يجب علينا أن نتكيف،" كما أفاد المتحدث باسم الحكومة في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
وأضاف قائلاً: "نحن نقدر إسهامات المنظمات غير الحكومية الدولية، ولكن القيام بعمل عظيم لا يعني الحصانة من الالتزامات القانونية. يجب أن يقوموا بالتسجيل لدى السلطات التركية وتجنب ممارسات العمل غير العادلة مثل أي جهة أخرى".
*تم تغيير الأسماء لحماية هوياتهم
jd/ag-ais/dvh