بعد مرور أيام قليلة على الحريق الذي التهم مبنى مجلس الشورى في قلب القاهرة، أفاقت مصر يوم 6 سبتمبر/أيلول على كارثة جديدة إثر الانهيار الصخري الذي دفن تحته 50 منزلاً في حي فقير على الجانب الشرقي من العاصمة. ويرى المراقبون أن هذه الكارثة والحريق الذي سبقها ألقيا الضوء على ضعف التخطيط الحضري للحكومة وعدم التقيد بإجراءات السلامة.
وكان مسؤولون أمنيون قد أفادوا أن ثماني كتل صخرية تزن كل منها حوالي 60 طناً قد سقطت على حي الدويقة الفقير بجبل المقطم شرق القاهرة.
وقد أودت الحادثة حتى الآن بحياة أكثر من 40 شخصاً وتسببت في جرح عشرات آخرين في حين لا يزال مئات الأشخاص تحت الأنقاض، وفقاً للسكان المحليين. وتقدر مساحة المنطقة المتضررة بعرض 60 متراً وطول 15 متراً.
وعن هذه الكارثة، قال طلعت كمال، وهو شاب يعيش في منشية ناصر، غرب جبل المقطم: عائلة زوجتي تعيش بمنطقة الدويقة. هم بخير والحمد لله ولكن عامة الناس في المنطقة لا يزالون تحت تأثير الصدمة ولا يزال الكثير منهم يصرخ وينتحب من هول ما رأى. لسوء الحظ، حصلت الكارثة في الساعات الأولى من الصباح خلال شهر رمضان الذي لا يغادر فيه الناس بالعادة ديارهم حتى وقت متأخر من اليوم. وهذا ما زاد من هول الكارثة.
وبالرغم من تطويق الشرطة للمنطقة، إلا أن شهود عيان أكدوا أن آليات الإنقاذ الثقيلة لم ترسل حتى وقت متأخر من النهار. وحتى بعد حضورها، لم تستعمل مخافة أن تتسبب في المزيد من الأضرار. ووفقاً لكمال، حاول السكان المحليون التعاون لإزالة الصخور ولكن دون جدوى.
وقد قامت جمعية حماية البيئة وغيرها من المنظمات غير الحكومية المحلية بإرسال متطوعين للمساعدة في عمليات الإنقاذ. وقال عزت نعيم، مدير جمعية حماية البيئة: "كان ثلاثة عشر شخصاً من المتطوعين لدينا يوزعون المياه طيلة اليوم الأول من الحادث [6 سبتمبر/أيلول]. وسنقوم اليوم [7 سبتمبر/أيلول] بإحضار المزيد منهم لتوزيع الغذاء".
وقد تم نقل عدد من الجرحى إلى مستشفى الحسين ومستشفى الزهراء الواقعين على بعد 10 دقائق من المنطقة لعدم احتواء المراكز الصحية في الدويقة ومنشية ناصر على آليات الطوارئ للتعامل مع أعداد كبيرة من الجرحى. وقد أفادت صباح محمد، وهي متطوعة مشاركة في أعمال الإغاثة في المنطقة أن "العديد من سيارات الإسعاف كانت غير مجهزة لنقل الجرحى، كما أن الأطباء والممرضين لم يتواجدوا على متنها لإسعاف الجرحى".
وتأوي المنطقة المنخفضة المحيطة بجبل المقطم آلاف الفقراء الذين هاجروا إليها من المناطق الجبلية وشكلوا تكتلات حضرية خصوصاً في منشية ناصر والدويقة. وتعرف منشية ناصر بكونها مأوى لعمال النظافة في حين تأوي منطقة الدويقة مجموعة كبيرة من أفقر فقراء المدينة.
مشاريع الإسكان الحكومية مصدر للقلق
ويتم حالياً بناء مشروع إسكان مدعوم من الحكومة بهدف إيواء سكان الأحياء الفقيرة ولكن السكان المحليين اشتكوا من عدم إطلاعهم على المخططات وعزوا تأخر أعمال البناء للفساد المتفشي بين موظفي البلدية.
وفي هذا الإطار، قال رزق، وهو أحد السكان المحليين، وهو يتذكر الانهيار المماثل الذي وقع عام 1993 وأودى بحياة 30 شخصاً: "إن وجود حي فقير إلى جانب مشروع سكني مدعوم من الحكومة يظهر مدى سوء التخطيط الحضري وفساده. لقد جئنا إلى القاهرة أملاً بحياة أفضل ولم نتوقع أن يكون الموت بانتظارنا هنا أيضاً".
وتحدث رزق عن المخاوف المتزايدة بين السكان من تعرض المنطقة لمزيد من الانهيارات الصخرية، مشيراً إلى أن "الحكومة تملك خرائط جيولوجية توضح المناطق المعرضة للخطر ولكن لا يتم إطلاع السكان على أي من هذه المعلومات".
الصورة: إيرين |
السكان هرعوا إلى المنطقة التي تسبب فيها الانزالاق الصخري بمقتل 40 شخصاً على الأقل وجرح الكثيرين |
من جهته، أفاد محمد الحلو، وهو محام بمركز حقوق السكن، أن البناء على الجبال أمر خطير ويجب وقفه فوراً. وأضاف قائلاً: "لقد أقمنا دعوى قضائية ضد محافظ القاهرة وبلدية المنطقة نطالب فيها بوقف أعمال البناء على الجبال لأنها تهدد حياة الناس". وأوضح أن 30 أسرة من المنطقة دعمت الدعوى التي تم رفعها في شهر يوليو/تموز المنصرم.
وقد أثارت هذه الحادثة مرة أخرى غضب الناس بخصوص بطء عمليات الإنقاذ الحكومية، الأمر الذي جعل الحريق الذي شب في مبنى مجلس الشورى قبل أسبوعين يمتد إلى البنايات المجاورة.