بعد مرور عام على المواجهات التي دارت بين مقاتلي فتح الإسلام والجيش اللبناني والتي تسببت بتدمير جزء كبير من مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين ونزوح حوالي 40,000 شخص من سكانه، لا تزال وتيرة إعادة الإعمار جد بطيئة.
وبالرغم من أن الأونروا تتحمل مسؤولية إعادة إعمار المخيم القديم الواقع داخل الحدود الرسمية والذي أصبح عبارة عن حطام، إلا أن مسؤوليتها في إعمار المناطق الكبرى المجاورة للمخيم القديم والتي تعرف بالمخيم الجديد تبقى محدودة.
وقد عادت 2,000 أسرة تقريباً من أصل 5,553 أسرة نزحت إلى المناطق التي أمكن الوصول إليها خصوصاً في المخيم الجديد، ومعظمهم عادوا إلى بيوت مؤجرة أو مآوي مؤقتة.
وستطالب الأونروا في 23 يونيو/حزيران في فيينا المانحين الدوليين بتقديم 445 مليون دولار لإعادة إعمار وتأهيل المخيمين القديم والجديد بنهر البارد بالإضافة إلى مخيم البداوي المجاور والمناطق المحيطة.
وفي هذا الإطار، تحدثت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) لريتشارد كوك، مدير الأونروا في لبنان. وفي ما يلي الحوار الذي أجرته معه:
ستطالبون المانحين بالتبرع بمبلغ 445 مليون دولار. كيف تخططون لإنفاقه؟
سيتم إيداعه في صندوق أمانات متعدد المانحين يشمل ثلاثة أجزاء: جزء للأونروا وجزء للحكومة اللبنانية وجزء للبنك الدولي.
ستحصل الأونروا على مبلغ 282 مليون دولار، سيتم تخصيصها لإعادة إعمار وتأهيل المخيم القديم. وسيتم تخصيص حوالي 80 مليون دولار من هذا المبلغ كمساعدات مالية للأسر في المخيم الجديد لمساعدتهم على دفع تكاليف إعادة الإعمار. وفي هذا المجال، ستقوم الأونروا بتسهيل الدفع في حين ستقوم لجنة فلسطينية بالنظر إلى الطلبات بمساعدة مدقق حكومي، ولكن ستبقى الأونروا هي المخولة بدفع المبالغ المستحقة والتي سيتم دفعها على مراحل.
فعلى سبيل المثال إذا توجب علينا دفع مبلغ 30,000 دولار لأسرة معينة، فإننا سندفع لها مبلغ 10,000 دولار أولاً ثم نراقب كيفية صرفها قبل أن نسلمها الدفعة الثانية.
أما باقي الـ 445 مليون فستخصص لإعادة تأهيل مخيم البداوي ومواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية للنزاع وهو ما يقع ضمن مسؤوليتنا أيضاً.
كما ستطلق الأونروا مناشدتها المستقلة من أجل تمويل عمليات إغاثة وإعادة تأهيل النازحين وتزويدهم بالمسكن المؤقت والطعام والرعاية الطبية والتعليم وغيرها. وسيصل مجموع ذلك إلى 39.7 مليون دولار وسيغطي الفترة من 1 سبتمبر/أيلول 2008 حتى 30 سبتمبر/أيلول 2009. ولكننا سنقوم بإطلاق هذه المناشدة بعد مؤتمر فيينا.
بالرغم من مرور عام كامل على المواجهات التي دمرت نهر البارد إلا أنه من خلال الحديث مع الوكالات العاملة في المخيم الجديد، يبدو أن لا أحد لديه فكرة واضحة عمن يتزعم جهود إعادة الإعمار. هل يمكنك أن توضح لنا الأمر أكثر؟
المخيم الجديد هو مسؤولية الحكومة اللبنانية، فهي المسؤولة عن البنية التحتية والإسكان ولكنها طلبت من الأونروا أن تساعدها في ذلك.
الصورة: لوسي فيلدر/إيرين |
قام موظفو اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن مشروع المياه بإصلاح أحد الخزانات الثلاثة بنهر البارد ووضعوا 2,700 أنبوب مياه في المخيم الجديد |
لقد قامت الأونروا بالعمل مع منظمة الإغاثة الإسلامية لربط أنابيب المياه بالمنازل في المخيم الجديد. تمكنا من القيام بتلك العملية لأنها مصنفة ضمن الاستجابة لحالة الطوارئ. ولكن تبقى الحكومة مسؤولة عن عمليات إعادة التأهيل الإضافية مثل الطرقات. ونحن نحاول الآن وضع إستراتيجية للخروج لأننا لا نستطيع أن نستمر في التعامل مع الوضع على أنه استجابة للطوارئ إلى ما لا نهاية.
تقول بعض المنظمات الأخرى أنها تقدمت بمقترحات لمساعدة الأونروا في المخيم الجديد، ولكنها لم تحصل على استجابة كافية. فمثلاً، بعد تعرض البيوت المؤقتة التي أقامتها الأونروا للانتقاد، عبر المجلس النرويجي للاجئين عن استعداده لإقامة مساكن مؤقتة ولكن الأونروا واصلت القيام بذلك وحدها، لماذا؟
لم تتقدم أية منظمة غير حكومية إلينا للتعبير عن قدرتها على القيام بذلك. فعلى حد علمي، اقتصر عمل المجلس النرويجي للاجئين على مساعدتنا في بناء قنطرة فوق النهر. نحن نقوم بكل ما في وسعنا لجعل البيوت المؤقتة صالحة للسكن ولكن لن يكون الأمر أبداً مثل إقامة المرء في بيته الخاص.
لقد كان الناس يائسين للخروج من الظروف التي كانوا يعيشون فيها، لذا استعجلنا في بناء بعض الوحدات السكنية. المشكلة الكبرى التي واجهناها تمثلت في حصولنا على الأرض لأن المجتمعات المجاورة كانت تنظر إلى ما نبنيه على أنه مخيمات واقعة على عتبات بيوتهم.
ونحن الآن نستعمل طريقة تقليدية في البناء تستغرق وقتاً أطول. إننا مستعدون للعمل مع أي جهة تستطيع القيام بالعمل بشكل أفضل مما تقوم به الأونروا. ولكن السؤال المطروح هو: هل بالإمكان تحسين ما قامت به الأونروا في ظل الظروف الراهنة؟ بالإمكان تحسين التنسيق ولكننا قمنا بالكثير لإشراك منظمات أخرى مثل منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقد لعبت كلها أدواراً فعالة.
بالنظر إلى تعقيدات الموضوع وإلى حصول العديد من الوكالات المختلفة على ميزانيات خاصة للعمل مع الفلسطينيين، لماذا لم يتم إشراك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تنسيق جهود إعادة الإعمار؟
لقد لعبت أوتشا دوراً جد مهم في الماضي. ولكننا سُئِلنا إذا ما كنا بحاجة للمساعدة وأجبنا بلا. فالأونروا موجودة على الأرض و نحن نتعامل مع المجتمعات التي تقع تحت مسؤوليتنا. لدينا القدرة على التعامل مع الوضع وقد قمنا فعلاً بذلك. لم نشعر أننا بحاجة لمساعدة أوتشا ولو شعرنا بذلك لما ترددنا في طلب مساعدتها.
الصورة: لوسي فيلدر/إيرين |
تقدر الأونروا أن حوالي 85 بالمائة من البيوت بنهر البارد تعرضت للدمار أو أصبحت غير صالحة للسكن |
لقد تطرقنا لموضوع توسيع أرض المخيم منذ عدة أشهر ولكن رئيس الوزراء شدد على أن ذلك مرفوض رفضاً باتاً.
هل أنت راض عن وتيرة إعادة الإعمار؟
لست راض عن وتيرة إعادة الإعمار حتى الآن، فإزالة الأنقاض تستغرق وقتاً أطول من المتوقع. ولم يصبح التقييم جاهزاً إلا منذ أسابيع قليلة فقط بعد أن سُمح لنا بدخول المخيم القديم. كما أن الأنقاض بحاجة إلى تنظيف من الألغام التي يوجد الكثير منها هناك. فالجيش لم يقم سوى بتنظيف سطحي.
كان مجمعنا قد تعرض للانفجار [خلال الاشتباكات] ولكننا بدأنا بإزالة الأنقاض هذا الشهر فقط. ويقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالإشراف على عملية إزالة الأنقاض ولكننا قد نحتاج بين 8 إلى 12 شهراً فقط لإزالة الأجسام غير المنفجرة.
تركز منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية على ما يعتقدون أنه فجوة في المهمات المناطة بالأونروا فيما يتعلق بموضوع الحماية. وهم يقولون أن الفلسطينيين لا يحصلون على حقوقهم لأن الأونروا لا تقدم خدمات في هذا المجال. ما رأيك بذلك؟
تنقسم الحماية إلى حماية عسكرية وقانونية وعامة بالإضافة إلى الدعوة وكسب التأييد. ففي ما يتعلق بالحماية العامة، فإن الأونروا تتولى هذه المهمة. ومسؤول الأونروا لشؤون اللاجئين في غزة لديه مهمة شاملة لتوفير الحماية بالرغم من أن هذا ليس هو المسمى الذي يطلق عليها. كما بدأنا بالعمل مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة على قضايا في نهر البارد وهذه هي المرة الأولى التي تتعاون فيها المنظمتان في قضايا من هذا النوع.
الصورة: لوسي فيلدر/إيرين |
بعد اضطرارها لمغادرة مخيم نهر البارد، تعيش سعاد السيد (يمين) مع ثلاثة من أطفالها في فصل مدرسي بمخيم البداوي |
تقول كل من الحكومة والقيادة الفلسطينية أن نهر البارد لن يعود إلى نظام الأمن الذاتي الفلسطيني الذي يتم تطبيقه في المخيمات الإحدى عشر والذي يشكل أحد بنود اتفاق القاهرة لعام 1969، إن هذا تغيير كبير في العلاقات الفلسطينية-اللبنانية، أليس كذلك؟
نعم، إنه كذلك. سيكون مخيم نهر البارد خاضعاً لمراقبة أمنية مجتمعية مكونة من قوات الأمن اللبنانية والفلسطينية، وهذا ما عبر عنه الطرفان. لقد عززت أزمة نهر البارد العلاقة بين الحكومة والقيادة الفلسطينية، فالفلسطينيون قالوا بوضوح أنهم لا يريدون هذا النوع من الناس [جماعة فتح الإسلام] بينهم ولكنهم قلقون بسبب عدم قدرتهم على التعامل معهم.
لقد شهدنا تجمعات لفصائل ما كانت لتلتف حول بعضها البعض [لولا الظرف الذي مرت بها]. لقد كان ذلك وضعاً استثنائياً وأتمنى ألا نراه مجدداً. هناك باب مفتوح الآن ونهج جديد ما كان ليؤخذ بعين الاعتبار قبل سنتين أو ثلاثة.
"