أفاد تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة تحت عنوان 'التغيرات المناخية: التأثير على الزراعة في الشرق الأدنى' أن التغيرات المناخية قد تؤثر سلباً على الأمن الغذائي للفقراء والمصابين بسوء التغذية والمعتمدين على الإنتاج المحلي للأغذية.
وأخبر ويل كيلمان، رئيس مجموعة العمل المكلفة بالتغيرات المناخية في منظمة الأغذية والزراعة، شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في 10 مارس/آذار أن "التغيرات المناخية ستؤثر على الأمن الغذائي في أبعاده الأربعة وهي: توفر الغذاء، وإمكانية الحصول عليه والاستقرار الغذائي وكيفية استعمال الغذاء".
وأضاف أن "الأمن الغذائي مهدَّد بشكل خاص في المناطق الهشة أصلاً مثل منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا ومناطق من الشرق الأوسط".
وجاء في تقرير منظمة الأغذية والزراعة أن التغيرات في أنماط تساقط الأمطار قد تؤثر على المحاصيل، وخصوصاً الأرز، في العديد من البلدان في المنطقة. وأشار كذلك إلى أن اليمن مهددة بشكل خاص بسبب انتشار الفقر وسرعة النمو السكاني والنقص الحاد في المياه.
وارتفاع أسعار المواد الغذائية هو حديث الجميع في الشرق الأوسط. ففي 3 مارس/آذار استغل رئيس الوزراء البحريني، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، اجتماعه الأسبوعي مع المسؤولين وعموم الناس لتناول موضوع الأمن الغذائي في المنطقة، حيث قال: "نحتاج إلى أن نستقي الدروس من التضخم المتزايد الذي يجتاح العالم وأن نبدأ بالتفكير جدياً في ضمان الأمن الغذائي في العالم العربي".
خطر الاضطرابات الاجتماعية
ويحذر خبراء الأمن الغذائي في المنطقة من حدوث اضطرابات اجتماعية إذا لم يتم احتواء أسعار الغذاء على المستوى المحلي. وهذا ما أشار إليه كيلمان الذي قال أن "تزايد مستوى انعدام الأمن الغذائي يمكن أن يؤدي إلى نزاعات حول الموارد، سواء كانت زراعية أو غذائية".
وقد ألقت الأحداث الأخيرة في مصر الضوء على مدى هشاشة منطقة الشرق الأوسط أمام انخفاض الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار المواد الغذائية. فقد لقي شخصان حتفهما في حلوان، جنوب القاهرة، وهما يحاولان الحصول على مكان في طابور لشراء الخبز الرخيص المدعوم. وكانت صحيفة الأهرام قد نشرت خبراً عن شخص أضرم النار في مخبز بعد أن رفض صاحبه أن يبيعه الخبز. ثم نشرت بعد أيام من ذلك تقريراً عن الموضوع أشارت فيه إلى أن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في طوابير الخبز (أو ما يطلق عليهم 'شهداء الخبز') وصل إلى 10 أشخاص.
وتقوم مصر، التي تعتبر ثاني أكبر مستورد للقمح، بدعم القمح والدقيق والخبز، وذلك بتكلفة إجمالية تصل إلى 2.74 مليار دولار (حسب جريدة نيويورك تايمز – عدد 17 يناير/كانون الثاني 2008). كما أشار خبراء الاقتصاد إلى أن الدعم يضر بالاقتصاد حيث تفيد التقارير إلى أن البعض في الأوساط الحكومية يطالب بخفض دعم المواد الغذائية الأساسية. غير أنه في آخر مرة حاولت الحكومة المصرية القيام بذلك - في عام 1977- تظاهر الناس في الشوارع وقتلت الشرطة أكثر من 70 متظاهراً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أسعار الخبز في مصر ارتفعت بنسبة 36.5 بالمائة خلال الفترة من فبراير/شباط 2007 إلى فبراير/شباط 2008.
وفي نفس السياق، تم خلال الأسابيع القليلة الماضية تنظيم مظاهرات أخرى، وإن كانت على مستوى أصغر، ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في عدد من دول المنطقة، بما فيها البحرين والأردن ولبنان والمغرب والسعودية واليمن. وقد أودت المواجهات مع قوات الأمن بحياة عدد من الأشخاص. ففي بيروت مثلاً لقي سبعة أشخاص حتفهم في المواجهات التي حدثت في 27 يناير/كانون الأول بين الجيش اللبناني ومجموعة من المتظاهرين الشيعة والتي كانت قد بدأت على شكل مظاهرات ضد ارتفاع أسعار الخبز وقطع التيار الكهربائي.
من جهتها، حذرت جوزيت شيران، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، خلال زيارتها لمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 6 مارس/آذار، من أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وما نتج عنه من تضخم سيستمر على الأقل على مدى السنتين المقبلتين وسيؤدي إلى زيادة غضب الشارع في الدول الفقيرة. وجاء في قولها: "يفيد تقييمنا أن المستوى الحالي سيستمر خلال الأعوام القليلة القادمة...وفي الواقع سترتفع الأسعار في 2008 و2009 وقد تستمر حتى 2010".
"الجياع الجدد"
وأشارت شيران إلى أن آثار التغيرات المناخية هي أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء وما أطلقت عليه "الجياع الجدد"، حيث قالت أن "ذلك سيؤدي إلى ظهور شكل جديد للجوع في العالم، وهو ما نسميه بالجياع الجدد. وهؤلاء هم الأشخاص الذين يملكون المال ولكن أسعار المواد الغذائية أصبحت تفوق طاقتهم".
الصورة: إيرين |
خص تقرير منظمة الأغذية والزراعة اليمن بكونها مهددة بشكل خاص بنقص الغذاء بسبب انتشار الفقر والتزايد السكاني السريع والنقص الحاد في المياه |
ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، يموت أكثر من 25,000 شخص بسبب الجوع أو الأمراض المرتبطة به يومياً في جميع أنحاء العالم، منهم طفل واحد كل خمس ثوان.
ومن المتوقع أن يسوء الوضع أكثر حيث حذرت منظمة الأغذية والزراعة من صعوبة المحافظة على بعض المحاصيل الزراعية في بعض المناطق نتيجة تفاعل عدد من العوامل. وأوضحت أن محصول الذرة في شمال إفريقيا مثلاً قد ينخفض بنسبة تتراوح بين 15 و25 بالمائة مقابل ارتفاع الحرارة بنسبة 3 درجات مئوية.
وقد قامت عدد من دول الخليج بتطبيق نظام مراقبة الأسعار بما في ذلك دعم المواد الغذائية وفرض حد أقصى لزيادة أسعار الإيجار للتخفيف من حدة تأثير ارتفاع الأسعار على سكانها. وقد اقترحت غرفة التجارة والصناعة بسلطنة عُمان في 9 مارس/آذار أن يقوم موردو الأغذية بالحد من ارتفاع الأسعار عبر وضع سقف للزيادة لتسع مواد غذائية أساسية بما فيها الأرز ودقيق القمح والسكر والعدس وزيت الطبخ والشاي والحليب المجفف والسمن.