أفاد تقرير حديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تؤثر بشكل كبير على الوضع الإنساني في المناطق الريفية الفلسطينية. ويرى التقرير الذي صدر في 30 أغسطس/آب تحت عنوان التأثير الإنساني للبنية التحتية الإسرائيلية في الضفة الغربية"، بأن المستوطنات الإسرائيلية تتسبب في فصل السكان الفلسطينيين عن أراضيهم الزراعية وتقيد تحركاتهم وتحد من إمكانية وصولهم إلى الأسواق وحصولهم على الموارد المائية.
ففي منطقة مرتفعات الخليل الجنوبية، يسود نزاع واضح بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين على الأراضي وموارد المياه. وقد أخبر السكان الفلسطينيون في تلك المنطقة شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بأنهم يعيشون أوضاعاً صعبة بسبب المستوطنات الإسرائيلية.
المياه
وفي قرية أم الخير الصغيرة الواقعة بالقرب من مستوطنة الكرمل، يحصل السكان على المياه عن طريق شبكة مياه عسكرية قديمة مكونة من أنابيب صغيرة ممدودة فوف الأرض. ويشتكي سكان القرية من عدم إيفاء الشبكة بحاجتهم المائية وعدم قدرتهم على إعادة تأهيلها، لذا فهم يلجأون إلى تكميل حاجتهم اليومية من المياه عن طريق شرائها بتكاليف عالية جداً. أما المستوطنون الإسرائيليون فيحصلون على ما يحتاجونه من المياه عن طريق الشبكة الرئيسية التي تم ربطهم بها. وقال الشيخ خليل هذالية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بأن "عشش الدجاج الإسرائيلية تحصل على الماء والكهرباء".
وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنه وفقاً لاتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، فإن هذه الأخيرة تحصل تقريباً على ستة أضعاف ما يحصل عليه الفلسطينيون من المياه الجوفية. كما أفاد التقرير بأن استهلاك الفرد الفلسطيني بالضفة الغربية من المياه أقل بكثير من المقاييس الموضوعة من قبل منظمة الصحة العالمية.
من جهته، قال شلومو درور، الناطق باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية، بأن إسرائيل ملزمة بحكم اتفاقيات أوسلو بزيادة نسبة المياه المخصصة للفلسطينيين بثلاثة بالمائة كل سنة. وأضاف قائلاً: "لكننا في السنة الماضية رفعناها حتى ثمانية بالمائة".
وأشار درور كذلك إلى أن الفلسطينيين بحاجة إلى الاستثمار في عمليات تنقية المياه للاستفادة بشكل أكبر من المياه التي يملكونها.
تقليص أراضي الرعي
ولكن النزاع من أجل الموارد بالنسبة لسكان قرية أم الخير قد تسبب في تدمير بيوتهم وتقليص أراضيهم الزراعية والرعوية. وقال الشيخ خليل عن ذلك: "أصبح الأمر يكلفنا أكثر بكثير الآن، فنحن بحاجة إلى شراء العلف لإطعام مواشينا بدل من إطلاقها للرعي".
أما جاره سليمان، فقال بأن المستوطنين استولوا على أرضه في السنوات الأخيرة ومع نهاية عام 2006، كانوا قد استولوا على جميع أراضيه.
الصورة: شبتاي جولد/إيرين ![]() |
فتاة فلسطينية في طريق العودة من المدرسة إلى البيت في قرية أم الخير حيث يضطر العديد من الطلبة إلى الدراسة على ضوء المستوطنة المجاورة لعدم توفر الكهرباء في بيوتهم |
وكان الجيش الإسرائيلي قد قام بتدمير البيوت بدعوى عدم حصول أصحابها على تصريحات البناء من الإدارة المدنية الإسرائيلية.
من جهته، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتزويد القرية بمولدات كهربائية، إلا أنه لم يُسمَح للفلسطينيين ببناء الشبكة التي ستسهل توصيل الكهرباء إلى بيوتهم.
وقال سليمان: "لن أغادر هذه المنطقة، إذا أرادوا أن أرحل، فسأفعل ولكن فقط إذا كنت سأعود إلى تل عراض"، وهي القرية التي ولد فيها والتي توجد في إسرائيل الآن.
ويذكر أن كل سكان قرية أم الخير هم من لاجئي 1948، ومسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
قرية سوسيا
ويعاني سكان قرية سوسيا من نفس الأوضاع التي يعاني منها سكان أم الخير. تقع هذه القرية الفلسطينية الصغيرة في الجنوب ويعتبر كل سكانها نازحين بعد أن أعلنت السلطات الإسرائيلية سنة 1985 أرضهم منطقة أثرية. ويقول السكان بأن المستوطنين يحاولون تضييق الخناق عليهم وإخراجهم من قريتهم الجديدة.
ولأنه لا يحق للسكان في قرية سوسيا بناء المساكن فهم لا زالوا يعيشون في الخيام وفي بنايات مؤقتة. كما أن المياه في قريتهم تصبح سلعة باهظة الثمن في الفترة من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول حيث ينزل مستوى مياه الأمطار التي يتم تجميعها في الأحواض.
الصورة: شبتاي جولد/إيرين ![]() |
"علينا أن نشتري مياهنا من المستوطنين الإسرائيليين. ولأننا لا نستطيع الوصول إلى أراضينا الواقعة بالقرب من المستوطنات، يدخلها المستوطنون ويحرثونها في محاولة للاستيلاء عليها، ولا يفعل الجيش أي شيء لإيقافهم" محمد نواجة أحد سكان قرية سوسيا |
أما درور، الذي يقر باستمرار النزاع على الأرض بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فقال بأن إسرائيل لا تسمح بالأعمال غير القانونية التي يرتكبها المستوطنون وبأنها لا تميز بين اليهود والفلسطينيين في هذا الأمر، مضيفاً بأن "للفلسطينيين دائماً الحق في الالتجاء إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لرفع دعوى للمطالبة بالأرض".
وكانت هذه المحكمة قد أصدرت مؤخراً أمراً للحكومة بتفكيك الجدار الذي يبلغ ارتفاعه 80 سم والذي تم بناؤه في المنطقة وتسبب في فصل الفلسطينيين عن الأراضي التي ترعى فيها ماشيتهم.
وقال أحد موظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة، والذي فضل عدم الكشف عن هويته: "لقد تسبب هذا الموضوع، الذي سبق وأعلنا بأنه غير قانوني، في خسارة 20 مليون دولار"، مشيراً إلى أنه كان بالإمكان استعمال هذا المبلغ لمساعدة الفلسطينيين الفقراء.
وعلى عكس المجتمع الدولي، لا تعتبر إسرائيل مستوطناتها خرقاً لاتفاقية جنيف الرابعة لأنها لا تعتبر الضفة الغربية أرضاً محتلة.
"