أفاد تقرير صادر عن منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية (بتسيلم) وجمعية الحقوق المدنية بأن السياسة الإسرائيلية في وسط مدينة الخليل قد دفعت بالعديد من الفلسطينيين إلى مغادرة ديارهم وإقفال حوالي 1,829 مشروع تجاري وصناعي منذ عام 1994.
ويحمل التقرير، الذي يعكس آراء المنظمتين، عنوان مدينة الأشباح" وهو يلقى الضوء على حياة الفلسطينيين في هذه المدينة المقسمة. وجاء فيه بأن "السياسة الإسرائيلية تؤثر بشكل خطير على حياة آلاف الفلسطينيين عن طريق انتهاك حقوقهم بما فيها حق الحياة والحرية والأمن الشخصي وحرية التنقل والصحة والملكية".
وكان رد الجيش الإسرائيلي على ما جاء في التقرير قوله أن "القيود المفروضة على الحركة وعلى التجارة في مدينة الخليل تعتبر الحد الأدنى اللازم لضمان أمن جيش الدفاع الإسرائيلي والمستوطنين اليهود في الخليل".
ووفقاً للاتفاق الذي أبرمته إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1997، تم تقسيم مدينة الخليل إلى قسمين، يكون الأول منهما (هـ 1) الذي يشكل 80 بالمائة من المدينة، تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في حين تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على القسم الثاني (هـ 2) الذي يضم أجزاءً من المركز التجاري للمدينة بالإضافة إلى المستوطنات الإسرائيلية التي تعتبر غير شرعية في نظر القانون الدولي.
ونقل تقرير "مدينة الأشباح" عن سيدة فلسطينية، تدعى نعيمة أحمد، قولها بأن العنف والإحساس بالعزلة بالإضافة إلى القيود المفروضة على الحركة قد دفعت بأسرتها إلى الانتقال على مضض إلى منطقة (هـ 1). وجاء في قولها: "كنا خائفين ونشعر بأننا في وضع خطر. كان يستحيل علينا الاستمرار في العيش في بيوتنا"، مضيفة أن معظم جيرانها حذوا حذوها.
تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
ويعاني الاقتصاد في قسم (هـ 2) من المدينة حيث يعيش حوالي 35,000 فلسطيني و800 مستوطن إسرائيلي، من انهيار شبه كلي. فقد أفاد تقرير حديث صادر في 30 أغسطس/آب عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تحت عنوان "التأثير الإنساني للبنية التحتية الإسرائيلية" بأن ثمانية من كل عشرة فلسطينيين من سكان المدينة القديمة في المنطقة (هـ 2) يعانون من البطالة، وبأن 75 بالمائة يعيشون تحت خط الفقر.
ويبلغ معدل الدخل اليومي للأسرة في هذه المناطق حوالي 160 دولاراً في حين يصل في الضفة الغربية إلى 405 دولاراً، حسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نقلاً عن إحصاءات السلطة الفلسطينية. كما تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتوزيع حصص من المواد الغذائية الأساسية لحوالي 1,750 أسرة في المنطقة (هـ 2) للمساعدة على تخفيف الأوضاع المتردية للسكان.
القيود المفروضة على الفلسطينيين
وتعتبر الخليل المدينة الوحيدة - باستثناء القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل بطريقة غير شرعية سنة 1967 - التي تضم مستوطنات إسرائيلية في قلب مدينة فلسطينية. وهو ما يشير إليه تقرير أوتشا "بإقحام المستوطنين في قلب مدينة فلسطينية مكتظة بالسكان".
وقد أدت ضرورة الحفاظ على أمن 800 مستوطن بالجيش الإسرائيلي إلى فرض قيود قاسية على 35,000 فلسطيني يعيشون في القسم (هـ 2) من المدينة. كما يعيش 115,000 فلسطيني آخر في القسم (هـ 1)، لتصبح الخليل بذلك ثاني أكبر مدينة في الضفة الغربية وأكثرها توتراً.
الصورة: شبتاي جولد/إيرين |
نقطة تفتيش إسرائيلية بين منطقتي (هـ 1) و (هـ 2) في مدينة الخليل في الضفة الغربية |
ويمنع الفلسطينيون في أجزاء كثيرة من (هـ 2) من قيادة السيارات، وفي مناطق أخرى من فتح محلات تجارية. كما أنهم يمنعون في بعض المناطق مثل شارع الشهداء الرئيسي وبعض الطرقات القريبة منه، من التحرك. ولم يبق من هذه المنطقة التي كانت في يوم من الأيام نابضة بالحياة سوى واجهات المحلات التجارية المقفلة على الدوام.
كما تؤثر القيود المفروضة على الحركة تأثيراً مباشراً على الصحة، إذ يقول الفلسطينيون بأنه يتوجب عليهم تنسيق حركة سيارات الإسعاف مسبقاً، وهو أمر مستحيل في حالات الطوارئ. ومثال ذلك قصة تيسير أبو عائشة الذي تحدث عن فقدان زوجته لجنينها بسبب عدم إمكانية نقلها إلى المستشفى بسيارة الإسعاف قائلاً : "بدأت زوجتي الحامل تفقد الكثير من الدم في الساعة الثانية ليلاً. اضطررنا إلى المشي على الأقدام لأكثر من نصف كيلومتر للوصول إلى مستشفى عالية الحكومي".
العنف
الصورة: شبتاي جولد/إيرين |
يُمنَع الفلسطينيون من التحرك في شارع الشهداء الرئيسي، ولم يبق من هذه المنطقة التي كانت في يوم من الأيام نابضة بالحياة سوى واجهات المحلات التجارية المقفلة على الدوام |
ووفقاً لتقرير "مدينة الأشباح"، فإن الجيش والشرطة الإسرائيلية نادراً ما يتدخلان لوقف العنف الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين، ونادراً ما يتم تقديم المستوطنين المعتدين للقضاء.
من جهة أخرى، قام الجيش الإسرائيلي بتشكيل مراكز له داخل 20 بناية فلسطينية تقريباً، مستولياً في بعض الأحيان على مجمل البناية. هذا عدا عن ضباط الأمن الإسرائيليين الذين عادة ما يتورطون في أعمال عنف ضد الفلسطينيين، حيث أخبرت بهيجة شرباتي، وهي أم لستة أطفال، منظمة بتسليم سنة 2006 بأنها تعرضت لاعتداء على يد جندي إسرائيلي دون أي سبب. وجاء في قولها: "في الشتاء الماضي، بدأ أحد الجنود الموجودين على سطح البناية في الضحك بشكل هيستيري وأخذ يرميني بالرمل والحجارة في الوقت الذي كنت أقف فيه خارج البيت...لقد قمنا بتقديم عشرات الشكاوى للشرطة الإسرائيلية دون جدوى".
وقال بعض السكان بأن المستوطنين اليهود قاموا بإطلاق الرصاص عليهم. أما أسرة أبو عائشة التي تعيش في المنطقة (هـ 2)، فقد قامت بوضع سياج حول بيتها للحيلولة دون تعرض نوافذه للتكسير.
من جهتها، أنكرت الشرطة الإسرائيلية المزاعم التي تفيد بأنها تقوم بإغلاق معظم قضايا العنف دون التحقيق فيها، وقالت بأنه في العديد من الأحيان لا يقدم الضحايا المزعومون أية شكاوى مما يصعب عليها عملية متابعة القضايا.
"