تعاني قوات الشرطة الأفريقية من نقص المجندين والتمويل والفتور مما يتركها تكافح من أجل احتواء الجريمة العادية ويجعلها بعيدة كل البعد عن مكافحة التطرف العنيف.
وتشير أدلة السياسات حول مكافحة التطرف العنيف أن أفضل طريقة لتحديد الأخطار التي تهدد السلامة العامة هي نموذج رقابة شرطية يعزز الثقة والتعاون مع المجتمع، إذ يعتقد أن هناك علاقة إيجابية بين الطرفين تساعد على بناء القدرة على مواجهة التطرف.
لكن الواقع في معظم أنحاء العالم هو أن قوات الشرطة تعد فاسدة وعنيفة ويُفضّل تجنبها.
وفي هذا الإطار قال الرقيب فرانسيس موانجي من كينيا أن "الشرطة في الثقافة الأفريقية هي أداة للتخويف والإكراه".
يحاول موانجي قصارى جهده تغيير هذا التصور. يمثل هذا الشرطي بذكاءه وفصاحته وجهاً لمبادرة جديدة للشرطة في حي كاماكونجي الفقير في نيروبي تهدف إلى بناء شراكة مع المجتمع للحد من وقوع الشباب فريسة للتطرف.
فعمليات حفظ الأمن التقليدية - التي كثيراً ما تقوم على الوحشية والاعتقال التعسفي بدلاً من إجراء التحريات المناسبة - قد تخلق خوفاً أكبر من الأجهزة الأمنية منه من المتمردين، وهذا بالطبع يفضي إلى نتائج عكسية.
وقد وجدت دراسة جديدة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي استناداً إلى مقابلات أجريت مع أكثر من 500 جهادياً – معظمهم من كينيا ونيجيريا والصومال - أنه في أكثر من 70 بالمائة من الحالات كانت "الإجراءات الحكومية"، بما في ذلك قتل أو اعتقال فرد من الأسرة أو أحد الأصدقاء نقطة التحول التي دفعتهم للانضمام إلى جماعات متطرفة.
لكن لماذا تتغلغل ثقافة انتهاك حقوق الإنسان ومقاومة الإصلاح؟
مواطن أم مرؤوس
والتاريخ جزء من هذه المشكلة. فقد أنشأت القوى الاستعمارية قوات الشرطة الأفريقية للحفاظ على سيطرتها على السكان المحليين. والاستقلال لم يغير هذه الوظيفة بل بقي دورها يرتكز إلى حد بعيد على حماية النظام وتمثيله بدلاً من خدمة الناس.
ونتيجة لذلك، تعاني معظم قوات الشرطة من نقص حاد في المجندين. وتوصي الأمم المتحدة بأن تكون نسبة أفراد الشرطة إلى المواطنين 300 شرطي لكل 100,000 مواطن. ويعد هذا دليلاً تقريبياً إذ يعتمد مستوى القوات على عدة عوامل. لكن هذه النسبة هي 203 فقط في كينيا و187 في نيجيريا و38 في مالي – التي تواجه أيضاً تمرداً إسلامياً.
كما تعاني قوات الشرطة من نقص التجهيز، من المركبات والوقود اللازم لتشغيلها إلى الورق والأقلام وحبر الطباعة. ولا تتوفر إمدادات كافية من أبسط الضروريات قبل الحديث عن مختبرات الطب الشرعي وقواعد البيانات الوطنية للبصمات.
ومعدلات الإدانة المنخفضة لا تثير الدهشة، ففي جنوب أفريقيا، التي تضم واحدة من أكثر قوات الشرطة تقدماً في القارة، ينتهي 10 بالمائة من قضايا القتل فقط بالإدانة بينما تتراوح نسبة الإدانة بين 4 و8 بالمائة في جرائم العنف الجنسي.
الدافع إذاً هو الاعترافات القسرية. ففي نيجيريا، أصبح التعذيب جزءاً لا يتجزأ من عمل الشرطة حتى أن العديد من مراكز الشرطة باتت توظف بصورة غير رسمية ضابطاً للتعذيب، وفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية في 2014.
كما أن انتشار سياسات إطلاق النار بقصد القتل هو انعكاس لفشل نظام العدالة الجنائية، حيث تعتبر فئات من المجتمع نفسها أهدفاً للاضطهاد.
وتأخذ فرق الشرطة هذه السياسات إلى أبعد من ذلك. ففي مدينة مومباسا الكينية الساحلية، تشتهر الشرطة بمحاربتها ما يسمى بالعناصر المتطرفة التي لا يؤدي قتلها سوى إلى إثارة غضب الشباب المسلم الذين يعتبر نفسه مهمشاً بالفعل.
وتقدم نيجيريا مثالاً صارخاً على الأثر الذي يتركه فشل الإجراءات القانونية. ففي عام 2009، قتلت الشرطة مؤسس جماعة بوكو حرام محمد يوسف أثناء احتجازه. لكن ذلك لم يوقف عمل حركته، بل جاء خليفته أبو بكر شاكاو ليثبت أنه عدو أكثر وحشية وتعنتاً.
كما يتسبب إفلات قادة الشرطة المشاركين في القتل من العقاب إلى تقويض السلطة الأخلاقية للدولة النيجيرية.
وتعتبر إخفاقات الحكم عاملاً مهماً في التغاضي عن التجاوزات، فالنظام السياسي الفاسد يولد رجال شرطة فاسدين. وإذا كانت الدول غير راغبة في توفير الفرص والخدمات والحقوق لقطاعات كاملة من مواطنيها "فلا يوجد سبب وجيه يجعلنا نتوقع أن تقوم الشرطة الوطنية بذلك،" وفقاً لتقرير صادر عن المركز العالمي للأمن التعاوني.
التعاطف مع الشرطة
لكن خضوع قوات الشرطة للنخبة الحاكمة لا يكسبها أي منافع سياسية. فظروف العمل سيئة بشكل عام والأجور متدنية. وقد تكافح أسر الضباط الذين فقدوا أرواحهم أثناء تأدية عملهم للحصول على استحقاقاتها - وربما تضطر إلى دفع رشاوى.
واعترف مفتش عام سابق في الشرطة النيجيرية أنه أقل ما يمكن أن يقال عن بعض الثكنات أنها "تثير الاشمئزاز". وفي غياب السكن، قال أحد الضباط النيجيريين لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه كان ينام في الأشهر القليلة الأولى من نقله إلى مدينة مايدوغوري الواقعة شمال شرق البلاد على مقعدين من البلاستيك.
ويقوم أصحاب المناصب العليا في الشرطة بزيارات دورية خاطفة للمدينة كجزء من المحيط السياسي لكنهم بالكاد يزورون الضباط على خط المواجهة ضد التمرد والذين يعتبرون إلى حد بعيد أهدافاً لبوكو حرام.
وتقوم قوات الشرطة العدوانية بصب مشاعر الإحباط التي تعاني منها على الناس – وبالعادة على أكثر أفراد المجتمع ضعفاً وعوزاً. ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة أفروباروميتر في 34 بلداً، تعتبر الشرطة عموماً أكثر المؤسسات فساداً، متفوقة حتى على موظفي الحكومة.
وقال الرقيب موانجي أنه "في معظم الحالات، تضعف معنويات أفراد الشرطة في أفريقيا لأن الأجر الذي يحصلون عليه زهيد للغاية ... لدى هؤلاء أسر عليهم توفير الغذاء لها."
وفي الدراسة التي أجرتها مؤسسة أفروباروميتر، لم يقم أكثر من نصف المجيبين الذين ارتكبت جرائم بحقهم بتبليغ الشرطة. وعلى الصعيد الإقليمي، سجلت أعلى مستويات انعدام الثقة في شرق أفريقيا حيث أفاد 43 بالمائة فقط من المشاركين في الدراسة أنهم سيطلبون مساعدة الشرطة أولاً في حال وقعوا ضحايا لأي اعتداء.
ويعود السبب في ذلك إلى أن تحقيق العدالة الجنائية ليس حكراً على الحكومة. فغالباً ما يكون لدى الناس خيارات متعددة بدرجات متفاوتة من الشرعية وعلى صلة بالدولة - من العائلة والأصدقاء الذين يأخذون بالثأر إلى الميليشيات المحلية والمحاكم العرفية وحراس الأمن التابعين للشركات.
تركز النماذج الغربية لمكافحة التطرف العنيف على الشرطة المجتمعية – فهي الوضع الأمثل لنشر قوات الأمن، لكن في سياق أفريقي، تعني الشرطة المجتمعية أمراً مختلفاً تماماً.
ولا يتعلق عمل هذه الأنظمة الأمنية غير الرسمية - وبعضها مجرد حراس عاديون - بمفاهيم شرعية الدولة، "وإنما يتعلق أكثر بما هو متاح وموثوق وفي متناول اليد،" وفقاً لما جاء في تقرير المركز العالمي للأمن التعاوني.
مقاومة الإصلاح
ويعد إصلاح قطاع الأمن صناعة مزدهرة في عالم المعونة، على الرغم من وجود القليل فقط من الأدلة الملموسة على النجاح. وقال الضابط في مايدوغوري لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن التقارير التي جمعها خبراء خارجيون في مجال الشرطة تقاضوا أجورهم من أموال من المانحين، يتراكم عليها الغبار على رفوف قيادات الشرطة.
ووفقاً للباحثة أليس هيلز، لا يمكن فصل إصلاح الشرطة عن "التغيرات الاجتماعية والسياسية الأساسية". وبدون الحصول على تشجيع السلطات، تكون الآثار مؤقتة فقط.
على سبيل المثال، لم يتم بعد إدراج الدروس التي تعلمها الرقيب موانجي في كاماكونجي في منهاج كلية الشرطة الكينية.
ومما لا شك فيه أنه من الصعب معالجة مسائل الإصلاح وسط التمرد. فأولوية الحكومات وشركائها الدوليين هي الخدمات الأمنية وليس القوة الناعمة لمكافحة التطرف العنيف. ويعني ذلك على أرض الواقع فرق من الرجال الأكثر كفاءة في إيذاء مواطنيهم وتحقيق المكاسب.
لكن الباحثين راشيل كلينفيلد وهاري بدر يريان أن المطلوب هو "برامج تدرك أن المشاكل الأساسية للحكم تكمن في الحوافز والرغبة وليس القدرات".
oa/ag
الصورة الرئيسية: شرطي كيني يقوم بدورية بعد هجوم نفذته حركة الشباب