منذ أن فقد محمد، 12 عاماً، أخاه الوحيد في حادثة إطلاق نار، بدأ والداه يمنعانه من الخروج من المنزل. ويصف محمد حالته وما يشعر به قائلاً: خلال السنتين الماضيتين أصبحت سجين غرفتي، فوالديّ لا يسمحان لي بمغادرة المنزل، وكل أصدقائي سافروا إلى الخارج وأجبرت على مغادرة المدرسة لأسباب أمنية...أخبرتني أمي بأن بعض جيراننا قد يطردوننا خارج البيت وبأن ذلك يسبب لها الرعب. أما أنا فلست خائفاً من هذا الأمر أبداً، على الأقل سأتمكن من الخروج من هذا المنزل".
ومحمد، السنيّ المنحدر من منطقة اليرموك ببغداد، ليس إلا ضحية أخرى من ضحايا العنف والنزوح وإغلاق المدارس وسوء التغذية التي يعاني منها أطفال العراق والتي تهدد صحتهم الجسدية والعقلية، الأمر الذي سيؤثر حتماً على مستقبل البلاد.
ويشرح الدكتور فؤاد عزيز، وهو طبيب نفسي ببغداد حجم المأساة قائلاً: "لقد أصبح الأطفال سجناء أسرهم"، محذراً من أن يؤثر هذا السجن سلباً على نموهم، ومؤكداً على أن "الأطفال بحاجة للحركة والقراءة والتعلم واللعب، وهي أشياء وإن كانت عادية [في أمكنة أخرى] فإنها قد تسبب الموت أو الإعاقة في العراق".
غير أن أم فيصل، والدة محمد عبد الله، تؤكد بأن إبقاء ابنها داخل جدران البيت هو أفضل وسيلة للحفاظ على حياته بالرغم من أنها تعرف أن ذلك يسبب له التعاسة، إذ تقول: "سأحمي طفلي بكل ما أوتيت من قوة. أنا أعي أنه ليس سعيداً بحبسه المستمر داخل البيت، ولكن ذلك ضروري لحمايته...أعمل جاهدة لتحقيق الراحة له ...أشتري له الشكولاتة والبسكويت والمثلجات. برأيي أن يعاني من مشاكل نفسية أفضل من أن يتلقى رصاصة في رأسه".
تأثيرات أخرى للعنف
وأشار الدكتور عزيز إلى أن العديد من الأطفال يعيشون باستمرار في جو من العنف والخوف، "وبعض الأطفال والشباب يتعرضون لإغراءات وضغوطات مختلفة وغسل أدمغة كي ينضموا للمليشيات والمتمردين – ويكون ذلك أحياناً بموافقة أهاليهم".
من جهتها، قالت أحلام عبد الرحمن، مسؤولة رفيعة المستوى في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بأن العنف الدائر في البلاد يحول دون تنظيم فعاليات وأنشطة رياضية وترفيهية لصالح الأطفال والشباب. ووضحت قائلة : "لدينا أفكار جيدة للترفيه عن الأطفال، غير أن أعمال العنف في بعض الأحيان، تحول دون قيامنا بأي من هذه الأنشطة حتى وإن توفر لنا المال اللازم".
خلال السنتين الماضيتين أصبحت سجين غرفتي، فوالديّ لا يسمحان لي بمغادرة المنزل، وكل أصدقائي سافروا إلى الخارج وأجبرت على مغادرة المدرسة لأسباب أمنية |
وأضاف قائلاً: "إن المدرسة هي المكان الطبيعي للطفل، غير أن الأمر في العراق يختلف كثيراً بعد أن تمكن العنف من شق طريقه إلى المدارس... لا أقو شخصياً على إرسال أطفالي الثلاثة إلى المدرسة لأنني حريص على إبقائهم بعيدين عن المخاطر. أعلم أنني كموظف حكومي علي أن أكون قدوة للآخرين، ولكن عندما يصبح الشخص أباً فإن ما يشغله هو ضمان أمن أطفاله أكثر بكثير من الواجب الوطني".
وبالرغم من كل هذا، يظل محمد عبد الله مشبعاً بالأمل، إذ يقول: "قالت أمي بأن أخي سيخبر الله بأننا نحتاج إلى الأمن وسيستمع الله إلى طلبه...أنا على يقين بأنه سيستمع إليه. وعندما يتحقق ذلك، سيصبح بإمكاني الخروج من البيت من جديد، ولعب كرة القدم مع أصدقائي الذين سيعودون من الخارج".
"