غطت الفيضانات التي اجتاحت مساحات شاسعة من الأراضي من يوليو إلى سبتمبر 2010 العديد من الحقول والمنازل والطرق في بحر من دوامات المياه، ولكنها لعبت أيضاً دوراً في الكشف مدى الفقر والحرمان الذي يعاني منه الكثير من الأشخاص في باكستان.
وأخبر شرشاه سيد، وهو طبيب أمراض نسائية كرس نفسه لرعاية النساء الفقيرات اللائي يتطلبن رعاية أثناء الحمل والولادة، شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قائلاً: إن سوء التغذية الذي نشهده ليس بجديد ولا علاقة له بالفيضانات. ولكننا نراه الآن لأن الناس يتواصلون مع الفرق الطبية".
وقد تم توثيق بعض الطرق التي استخدمتها الأسر الإقطاعية ذات النفوذ - والتي ترتبط في الكثير من الحالات بالنخبة السياسية والبيروقراطية - لحماية مصالحها الخاصة على حساب القرويين العاديين توثيقاً جيداً. وقد وجهت اتهامات لكبار الإقطاعيين في جنوب البنجاب وولاية السند بالتأثير على القرارات المتعلقة بتحويل مسار مياه الفيضان أو خرق السدود التي غمرتها المياه لحماية أراضيهم.
ويتواصل التحقيق القضائي في المزاعم التي تتهم ملاك الأراضي الأثرياء بخرق السدود الواقية في أماكن أخرى لإنقاذ مزارعهم، الأمر الذي أدى إلى إغراق أراضي القرويين الفقراء والمستضعفين. وقد بدأت الطرق الأكثر مكراً التي يستخدمها نظام باكستان الإقطاعي ضد الناس - حتى عندما لا تكون هناك كوارث طبيعية - بالتكشف الآن وقد جاءت بعض الحالات نتيجة للاستقصاءات التي أجريت لتقييم محنة المتضررين من الفيضانات.
وتنتشر المزارع الشاسعة التي تملكها الأسر الإقطاعية في جميع أنحاء البلاد حيث تصل مساحتها في بعض الأحيان إلى مئات الفدادين. ووفقاً للبنك الدولي، يسيطر نحو 2 بالمائة من الأسر على أكثر من 45 بالمائة من المساحة الكلية للأراضي. ويضيف البنك أن كبار المزارعين يحتكرون الدعم في مجالي المياه والزراعة، في الوقت الذي يسهم فيه النظام الإقطاعي بشكل كبير في الفقر المتفشي في المناطق الريفية.
دعوة إلى الإصلاح الزراعي
وقال طارق فاروق، المتحدث باسم حزب العمال في باكستان، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "في بلد تشارك فيه حوالي نصف القوة العاملة في الزراعة، فإن المفتاح لتحسين مستوى المعيشة هو نهاية الإقطاع من خلال القيام بالإصلاح الزراعي الفعال" مضيفاً انه "لا ينبغي لأحد أن يمتلك أكثر من 12 فداناً (4.86 هكتاراً) من الأراضي الزراعية".
وأوضح بالقول: "يعمل ملايين الفلاحين في جميع أنحاء باكستان في زراعة أراض لا يملكونها، ويعطون ما بين نصف وثلثي محاصيلهم إلى الملاك. ويتم استغلال الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين الذين لا يملكون أرضاً بطرق متعددة. ففي الكثير من الأحيان ينتهي بهم الحال مرتبطين بالأرض، بعد أن يأخذوا قروضاً من أحد ملاك الأراضي ويعرضون تسديدها عن طريق العمل. وفي أحوال أخرى، ينتهي المطاف بأسر بأكملها في هذا النوع من عبودية الدين والعمل على سداد القرض الذي تتراكم فوائده. وهذا النظام هو أحد الطرق العديدة التي تربط الفلاحين بالفقر المدقع".
وتاريخياً، ترجع العراقيل التي تحول دون القيام بالإصلاح الزراعي إلى حقيقة أن العديد من البرلمانيين هم أنفسهم من كبار ملاك الأراضي، وبالتالي هم غير مستعدين للبدء في إعادة تقسيم الأراضي.
أزمة التغذية
الصورة: ReliefWeb |
ولا يوجد توثيق جيد لتأثير الإقطاع والفقر الناتج عنه، ولكن بعد مرور ستة أشهر على أكثر الفيضانات تدميراً في تاريخ البلاد، حيث كانت ولاية السند الأكثر تضرراً، كشف تقرير صادر عن الحكومة المحلية استناداً إلى دراسة استقصائية أجريت بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، عن أزمة خطيرة في مجال التغذية. وقد وجدت الدراسة الاستقصائية أن معدل سوء التغذية الحاد العام بلغ 23.1 بالمائة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و59 شهراً في المناطق المتضررة بالفيضانات في شمال السند و21.2 بالمائة في جنوب السند – وهي أعلى من السقف الذي حددته منظمة الصحة العالمية في حالات الطوارئ والبالغ 15 بالمائة.
كما كشفت الدراسة أن معدل سوء التغذية الحاد الشديد بلغ 6.1 بالمائة في شمال السند، بينما قدرت حكومة السند أن 90,000 طفل تقل أعمارهم عن خمس سنوات يعانون من سوء التغذية.
وسوء التغذية الحاد الشديد هو حالة متقدمة من سوء التغذية الحاد، وفقاً لليونيسف. ويحتاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد إلى علاج فوري، واحتمال وفاتهم قبل بلوغهم سن الخامسة أكبر عشر مرات من الأطفال الأصحاء. كما كشفت الدراسة عن مستويات مرتفعة من سوء التغذية بين النساء.
مع ذلك، يعتقد الخبراء العاملون في هذا المجال أن هذا الوضع هو نتاج حرمان مترسخ، وليس الفيضانات، حيث قال أندرو شيلاكادزه، وهو من كبار المسؤولين الميدانيين لدى اليونيسف في السند، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "سوء التغذية [الذي كشفت عنه الدراسة] لم يكن ناجماً عن الفيضانات، بل سببه الفقر، فغالبية النازحين داخلياً في المخيمات ينتمون إلى أدنى درجات الفقر".
وأضاف سيد، الطبيب النسائي الذي شارك في عمليات إنقاذ الحياة في ظروف بدائية للغاية في المناطق التي ضربها الفيضان في السند، والذي يدير أيضاً مخيماً للإغاثة من الفيضانات، أن "نساء السند يعانين من مثل هذه الأحوال منذ آلاف السنين بسبب النظام الإقطاعي في الولاية، وبالطبع صحة الأم تؤثر على الطفل".
النساء آخر من يأكل
وأضاف أن "النساء يؤدين أعمالاً شاقة في الحقول والمنازل، ولا يحصلن إلا على ما تبقى من الطعام بعد أن يأكل باقي أفراد الأسرة، إذ يتم تقديم الطعام للرجال أولاً، ثم الأطفال، ثم النساء في نهاية المطاف".
وقالت سوموندري بيبي، وهي أم لستة أطفال يبدو عليها الضعف، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في مخيم الإغاثة من الفيضانات في بلدة تاتا بجنوب السند: "كان الأمر دائماً على هذا النحو. نأكل نحن النساء بعد الآخرين، لأننا الأقل أهمية". وأضاف سيد: "إنها ثقافة ذكورية والنساء يعانين بسببها".
وقال جيمس كينغ أوري، منسق التغذية باليونيسف، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) من إسلام أباد أن "النساء، لاسيما أولئك في سن الإنجاب (بين 15 و49 عاماً)، يحتجن لتغذية إضافية، ليس فقط للحفاظ على نمو الجسم وتمكينهن من تحمل الأعباء اليومية، ولكن لدعم الحمل والرضاعة الطبيعية كذلك. كما يعد التصدي للفقر بطريقة استراتيجية لصالح المرأة أمراً أساسياً".
ولكن لا يبدو ذلك ممكناً دون حدوث انفصال عن نظام ملكية الأراضي غير المتكافئ والاستغلال المصاحب له. وأفاد طارق أن "ملكية الأرض تستطيع كسر حلقة الفقر بسرعة. وقد شهدنا أمثلة على ذلك في الأماكن التي سيطر فيها المزارعون المستأجرون على الأرض".
وقالت سوموندري: "لا أعلم شيئاً عن ملكية الأرض. أعرف فقط أننا نناضل من أجل إطعام أطفالنا، ونأكل أقل منهم حتى يتوفر لهم طعام أكثر".
kh/cb-ais/dvh