أدى العنف المتواصل في بغداد إلى طفرة كبيرة في الحرف والأنشطة المرتبطة بالجنازات. فلم يكن عبد الوهاب خليل محمد، صانع التوابيت، يبيع في عهد صدام حسين أكثر من تابوت أو اثنين في اليوم بسعر يتراوح بين 5 و10 دولارات للتابوت الواحد. أما الآن فهو يقول بأن عمله يشهد ازدهاراً كبيراً ودليل ذلك التوابيت السبعة المتراصة أمام محله الصغير في منطقة علاوي وسط بغداد.
ويشمل هذا الازدهار أيضاً نشاط الندابات المحترفات أمثال أم علي، 51 عاماً، التي تحضر المآتم لتأجيج عواطف المعزين. وتتحدث أم علي عن مدى انشغالها هذه الأيام قائلة: أشعر بأنني عداد لإحصاء الموتى [لا يتوقف]. فمنذ نهاية عام 2005، أصبحت أحضر معدل 3 إلى 5 جنازات في اليوم الواحد".
وتتقاضى أم علي ما بين 50 إلى 100 دولار عن كل جنازة. وتقوم حالياً بتدريب بنتيها وأحد أبناء إخوتها لمساعدتها، حيث تقول "لا أستطيع حضور أكثر من 3 إلى 5 جنازات في اليوم بسبب الوضع الأمني في بغداد الذي يعيق تنقلي"، وهذا يعني أنها تضطر إلى حصر نشاطها في منطقة مشتل الشيعية إلا إذا تطوع زبائنها لنقلها إلى أماكن أخرى.
كما استفاد من العنف المتواصل سيف توفيق العاني الذي يعمل في مجال توفير مستلزمات الجنائز، فقد توسعت أعماله لتنتقل من محل واحد عام 1989 إلى أربعة محلات وشاحنتين في الوقت الحالي. ويتولى العاني أيضاً تأجير كل المعدات والأغراض التي تحتاجها الأسر لإقامة جنازة تليق بمقام فقيدها ككراسي المعزين وأجهزة التسجيل ومكبرات الصوت لتسميع الآيات القرآنية والصحون الخاصة بالأكلات التقليدية ومولدات الكهرباء وغيرها من المستلزمات مقابل مبلغ 200 دولار يومياً.
وتنص العادات الإسلامية والعراقية على تكريم الميت بدفن سريع بعد الموت، وإذا أمكن في اليوم نفسه الذي حصلت فيه الوفاة. إلا أن العادات أيضاً تستدعي إقامة ميتم وإعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام. ولذلك تستأجر الأسر خيمة تنصبها بجانب بيت الفقيد وتستقبل فيها المعزين على مدى ثلاثة أيام. وفي اليوم الأخير، تقيم أسرة المتوفي مأدبة ينهل منها فقراء الجوار والمعزين معاً، وهنا يأتي دور العاني وأمثاله من موردي مستلزمات الجنائز، والذي يقول: "لقد ارتفع الطلب على خدماتنا منذ تفجير المرقد الشيعي في سامراء [في فبراير/شباط 2006]، حيث دخلت البلاد منذئذ في موجة من القتل والقتل المضاد من أجل الثأر".
ومنذ منتصف عام 2005، توقف تاجر الأقمشة، عبد الصاحب مختار نعمة، عن استيراد الأقمشة الملونة وتخصص في تجارة الأقمشة السوداء في أسواق بغداد. ويقول عن ذلك: "يطلب معظم الناس اليوم الأقمشة السوداء لخياطة ملابس الحداد أو لاستعمالها كرايات لإعلان وفاة أحدهم".
"