خلافاً للجدل الذي تمخض عنها، من المفترض أن تسمح اتفاقية نهر النيل بمزيد من الاستخدام العادل للمياه وتقلل النزاعات المحتملة بين الدول المشاطئة، وفقاً لأحد المحللين.
فقد أفاد ديبي تاديسي، الباحث البارز في معهد الدراسات الأمنية في أديس أبابا أن "مشكلة نهر النيل هي انعدام التعاون في مجال إدارة المياه... فهناك ما يكفي من [المياه] لجميع الدول المشاطئة، وهذه الإتفاقية تفتح الطريق أمام إدارة أكثر إنصافاً".
وكانت كل من إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا قد وقعت على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل يوم 14 مايو، مع ترك إمكانية التوقيع عليها لمدة عام. وقد تلا التوقيع لقاء وزراء المياه فى مدينة شرم الشيخ المصرية، حيث وافقت بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا عليها.
ولكن مصر والسودان رفضتا الاتفاقية، قائلتين أنها تعكس وجهات نظر دول المنبع السبع فقط، وليس الدول التسع جميعها، واقترحتا عقد المزيد من المحادثات.
ووفقاً لمقال كتبته نادية آن زهران في مجلة "ميدل إيست تشانيل" يوم 19 مايو "أصبح السؤال بالنسبة لمصر والسودان، فضلاً عن البلدان الثمانية الأخرى المشاطئة، حول كمية المياه التي يمكنهم استخدامها في ري الأراضي الزراعية وتلبية احتياجات عدد السكان المتنامي، مسألة وجود تتضاءل أمامها الصراعات السياسية الأخرى التي تعاني منها المنطقة".
كما حذرت مجموعة الأزمات الدولية يوم 6 مايو من أن النزاع قد يؤدي إلى عملية استقطاب في المنطقة، كما يمكن أن يقوي عزم مصر على الحفاظ على الوضع الراهن عن طريق مناصرة السودان ومعارضة البلدان الأخرى.
وقد حولت هذه الاتفاقية الجديدة التي تم توقيعها في عنتيبي في أوغندا، بعد عشر سنوات من المحادثات، مبادرة حوض النيل إلى لجنة دائمة لحوض النيل وستسهل الاعتراف القانوني بها في الدول الأعضاء.
وبينما قامت كينيا بالتوقيع في 19 مايو، قالت وزيرة المياه الكينية تشاريتي نغيلو أن "لا شيء يمنعنا الآن من استخدام المياه كما نرغب. والأمر متروك الآن لمصر والسودان للانضمام إلينا بروح التعاون على أساس نيل واحد، وحوض واحد، ورؤية واحدة. لا يمكن لدولتين من أصل تسعة أن تمنعانا من تنفيذ هذه الاتفاقية الإطارية".
ولتحظى بالمصادقة، تحتاج الاتفاقية الآن إلى توقيع جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي.
قانون ملزم
وأخبر مصدر في محادثات عنتيبي شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "ما سيدعم استخدام موارد نهر النيل هو الاستخدام العادل والمستدام لمصلحة جميع الأعضاء. فالاتفاقية الجديدة لا تسري سوى على الدول الأعضاء التي وقعت، وهو ما يعني أنه ما لم توقع مصر والسودان، لن تكون الاتفاقية ملزمة لهما... [لكن] الهدف الرئيسي هو إعطاء فرص متكافئة لجميع الأعضاء دون أن تدعي أية جهة السيطرة على 90 بالمائة من مياه النهر".
وأضاف أنه لا يمكن الدفاع عن احتكار مصر الحالي، "إذ لم يكن هذا مقبولاً لدى العديد من الدول الأعضاء، وهو سبب التفاوض على اتفاق جديد". وقال أنه "ستكون هناك صيغة متبعة عند استغلال موارد النهر، فهذه الاتفاقية لم تخترع شيئاً جديداً، ولكنها قننت القانون الدولي القائم بالفعل والذي يحكم المجاري المائية".
وما زالت مصر حتى الآن متمسكة بأسلحتها، حيث نقلت وكالة رويترز عن وزير الموارد المائية والري محمد نصر الدين علام يوم 18 مايو قوله: "أي مشروع ينتقص من تدفق النهر لابد أن يحظى بموافقة مصر والسودان، وفقاً للمعاهدات الدولية. ومصر تراقب عن كثب مشاريع توليد الطاقة في حوض النيل".
وقال تاديسي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) يوم 19 مايو أنه لا يوجد أمام مصر والسودان خيار سوى التفاوض مع باقي الدول المشاطئة. وأوضح أن "أمامهما عام كامل لاتخاذ قرار، ولكن سيتعين عليهما اتخاذ قرار ما"، مضيفاً "أنهما لن تكونا قادرتين على رصد ما يحدث في دول أعالي النيل المشاطئة إلا إذا وقعتا على الاتفاقية، وعدم معرفة ما يحدث في تلك الدول سيشكل تهديداً لمصر والسودان. فعلى سبيل المثال، إذا بنت إثيوبيا أو كينيا المزيد من السدود، فسترغب مصر عندها بمعرفة ماذا يحدث".
وقال المصدر الذي قابلته إيرين في عنتيبي أن "لا أحد سيقطع المياه عن دول المصب، ولكن ستكون لدينا فرصاً متساوية للاستفادة منها. سوف تنشأ نزاعات وسيتم حلها عن طريق لجنة حوض النيل... ولكن حتى عندما يتعذر حلها على هذا المستوى، يمكن اللجوء إلى أطراف ثالثة مثل محكمة العدل الدولية، ولكني أعتقد أن الأمر لن يستدعي ذلك".
ووفقاً لكيتوري كينديكي من كلية الحقوق في جامعة نيروبي بكينيا، لا يدعم القانون مطالبات مصر الفردية بالحفاظ على الوضع القائم على النيل، أو تهديد دول المنبع، مثل تنزانيا وأوغندا وكينيا، بعرقلة مسار النيل من بحيرة فيكتوريا.
وأضاف أنه "ينبغي فهم شرعية معاهدات النيل في سياق القانون الدولي فيما يتعلق بتعاقب السلطة وتغير الحكومات وكيف يؤثر ذلك على الالتزام بالمعاهدات،" وفقاً لبحث أجري في ديسمبر 2009. "وكل هذه المعاهدات، باستثناء اتفاق عام 1959، اعتمدت عندما كانت جميع الدول المشاطئة للنيل (باستثناء إثيوبيا) تحت حكم قوى استعمارية خارجية".
ويوصي البحث باتباع ثلاث طرق لحل مأزق النيل وهي: اختتام المفاوضات واعتماد معاهدة جديدة ملزمة لجميع الدول المشاطئة، وتشجيع التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، وإحالة مسألة شرعية معاهدات النيل إلى محفل قضائي أو تحكيم دولي.
الوقت لا يزال متاحاً
وقالت وزيرة مياه الأوغندية ماري موتاغامبوا لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في عنتيبي أن المفاوضات لم تنته بعد. "إذ سيتم التصديق على الاتفاقية بعد توقيع الدول الأعضاء عليها، وباب التوقيع سيبقى مفتوحاً لمدة عام". وأضافت قائلة: "تقدم لنا [الاتفاقية] جميعاً فرصة لنتوحد ونتطور. [فمصر والسودان] لا تريدان وقف الاستخدام الحالي، والمسألة تتعلق بإقناعهما. أنا آمل أنه في غضون هذا العام يمكن أن نقنعهما بالانضمام إلينا".
وتحاول الاتفاقية مراجعة اتفاقية وقعتها مصر عام 1929 مع القوة التي كانت تستعمرها آنذاك وهي بريطانيا، وأخرى وقعتها عام 1959 مع السودان. وتعطي الاتفاقيتان مصر والسودان أكبر حصة من المياه، بنسبة تبلغ 87 بالمائة من مياه النيل. وتملك مصر أيضاً السلطة لمعارضة إنشاء السدود ومشاريع المياه الأخرى في بلدان المنبع، كما تحتفظ بفرق من المهندسين على طول النهر لمراقبة مستويات المياه، بما في ذلك مصدرها في جينجا وفي ملكال في جنوب السودان.
في ظل استمرار تأثير تغير المناخ على المناطق التي تعاني من الجفاف، سيتزايد الاعتماد على النيل، الذي يتدفق عبر 10 بالمائة من إفريقيا وتتقاسمه عشر دول |
وفي الخرطوم، قال المستشار القانوني السوداني لمبادرة حوض النيل أحمد المفتي في مؤتمر صحفي يوم 11 مايو أن موقف حكومته هو عدم التوقيع على الاتفاقية حتى تتوصل جميع الدول التسع إلى حل للقضايا المتنازع عليها. ويقول مراقبون أن هذا الموقف يمكن أن يتغير إذا صوت جنوب السودان لصالح الاستقلال في استفتاء عام 2011.
وقد اتفقت إريتريا، التي تتمتع بمركز المراقب في المفاوضات، في الرأي مع القاهرة والخرطوم. ففي بيان صادر عن وزارة الإعلام الإريترية، قال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي أن دول المنبع أصدرت "اتفاقات ولوائح خاطئة" حول استخدام نهر النيل. وصرح للتلفزيون المصري بأن هذا "لا يؤدي فقط إلى تفاقم الوضع، ولكنه يخلق أجواءً من التوتر كذلك".
طلب متزايد
ويعتبر نهر النيل، الذي يتدفق لمسافة 6,825 كيلومتراً من بحيرة فيكتوريا إلى البحر الأبيض المتوسط، أطول نهر في العالم، ويصرف نحو 300 مليون متر مكعب من المياه يومياً. ويمد النهر مصر، التي تكاد لا تهطل فيها الأمطار على الإطلاق، بنحو 90 في المائة من احتياجاتها من المياه في حين يعيش أربعمائة مليون شخص في البلدان التي تتقاسم النهر.
ويقول الخبراء أن عدد سكان مصر قد يصل إلى 130 مليون شخص بعد 40 سنة، مما يزيد من مطالبها. كما تريد إثيوبيا بناء المزيد من السدود على النيل الأزرق، في الوقت الذي وعد فيه السودان مزارعين أجانب بقطع شاسعة من الأراضي. وفي كينيا، يريد المزارعون توسيع الري، بينما تخطط أوغندا لبناء السدود وتعتزم تنزانيا بناء خط أنابيب يبلغ طوله 170 كيلومتراً من بحيرة فيكتوريا لإمداد المناطق الجافة بالمياه.
ووفقاً لمعهد الدراسات الأمنية، سيعيش واحد من كل شخصين في إفريقيا تقريباً، في بلد يواجه ندرة في المياه أو "إجهاداً مائياً" في غضون 25 عاماً، بسبب النمو السكاني السريع والتنمية الاقتصادية. وبحلول عام 2025، ستنضم 12 دولة إفريقية إلى 13 بلداً يعاني بالفعل من الإجهاد المائي أو ندرة المياه في القارة.
"وتبقى الكثير من الأمور على المحك بالنسبة لجميع اللاعبين في المنطقة، وربما بالنسبة للعلاقات العربية-الإفريقية ككل، المثقلة بالفعل بسبب سنوات من الإهمال والصراع المباشر في السودان،" كما أشارت زهران. "ففي ظل استمرار تأثير تغير المناخ على المناطق التي تعاني من الجفاف، سيتزايد الاعتماد على النيل، الذي يتدفق عبر 10 بالمائة من إفريقيا وتتقاسمه عشر دول".
eo/vm/mw-ais/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions