عندما جاء خالد خماس (41 عاماً)، إلى الأردن قادماً من العراق قبل ثلاث سنوات، كانت تغمره السعادة ويملؤه التفائل بحياة جديدة. إلا أن أحلامه ما فتأت أن تحطمت مع مرور الوقت وأخذ الشك يملؤه حول المستقبل في بلد لا يشعر فيه بالترحيب.
ويقول خالد: كنت أعيش في خوف دائم في العراق بعد أن أصبحت عائلتي هدفاً لتهديدات الميلشيات والعصابات. كنت على يقين بأن نهايتي ستكون إما الخطف أو الموت. فقد قتل أثنان من إخوتي على عتبتي منزليهما، لا لشيء إلا لاختلافهم الديني. وتعرض منزلي في مقاطعة الكوت الجنوبية للقصف والتفجير بعد أن تلقيت تهديدات عدة من عصابات بالقتل.
لم أكن أبداً عضواً في حزب البعث [الذي كان يترأسه الرئيس السابق صدام حسين]، وعائلتي نصفها سني ونصفها الثاني شيعي، إلا أن عصابات القتل لا تركز سوى على أسمائنا السنية.
لقد جئت إلى الأردن منذ ثلاث سنوات وكلي أمل في حياة أفضل، بعيدة عن التهديد وخالية من الخوف من المجهول. غمرت السعادة قلوب أطفالي (حيدر 9 أعوام، وجابر 12 عاماً، وياسمين 6 أعوام وهدى 10 أعوام) لأنه أصبح باستطاعتهم الذهاب إلى المدارس مرة أخرى دون الخوف من التعرض للخطف أو للقتل. لقد قلت لنفسي بأن حصولي على فرصة عمل جيدة، وتمكن أولادي من الذهاب إلى المدارس من شأنه أن يعيد التوازن إلى حياتنا من جديد. غير أن ذلك لم يحصل، فأنا أعيش الآن مع أطفالي في شقة متواضعة في عمان آملين التمكن من الهجرة إلى أي بلد ثالث.
إن عدم الأمان الذي نعيش فيه يقتلني، فذنبي الوحيد في الحياة هو أنني عراقي. لا أريد سيارة من أحدث طراز ولا راتباً مرتفعاً، بل كل ما أصبو إليه هو أن أحيى حياة طبيعية كأي إنسان آخر، الشيء الذي يعد صعب المنال طبعاً لشخص عراقي سواء أكان ممن بقوا في العراق أو من لجؤوا إلى خارجه.
عندما نزلت بعمان لأول مرة كنت سعيداً جداً لأنني تخلصت من الخوف والقلق من الغد. لكن بعد مرور أشهر قليلة أصبحت مدمنا على الخوف. فأنا الآن عرضة للترحيل في أي لحظة، مما يعني بأنني قد أرسل لمواجهة الموت مرة أخرى.
لقد حرم أطفالي من التعليم لأن راتبي الذي لا يتعدى 120 دولار شهرياً وهو لا يكفي لدفع أقساط المدارس الخاصة (التي تتراوح من 500 إلى 700 دولار)، والمدارس الحكومية لا تخصص أماكن للأجانب. أحيانا ينتابني اليأس وأتمنى لو أنني قتلت وأطفالي في الحرب. على الأقل كنا سننجو من المعاناة والإذلال اللذين نتعرض لهما.
تقدمت بطلب للهجرة إلى أية دولة غربية فور وصولي إلى عمّان، ولكنني لم أحصل على رد إلا حديثاً، حيث طلب مني أن أجهز نفسي للمقابلة في غضون ستة أشهر من الآن. ولكنني لا أدري إن كنت سأتمكن من الانتظار إلى ذلك الحين. إن عدم حصولي على أي وضع قانوني هنا يجعلني غير قادر على الحصول على عمل. أقوم ببيع الهواتف النقالة قرب مركز تجاري بعمّان، وما أحصل عليه من هذه التجارة البسيطة غير كاف لتغطية مصاريف التنقل، دون ذكر المأكل والمسكن. ولو لم نكن نحصل على مبلغ 200 دولار شهرياً من نسيبي الذي يقيم بالدنمارك، لكنت وزوجتي وأولادي الأربعة قد متنا من الجوع. الخوف من المجهول يقتلني من الداخل ويدمر عائلتي".
"