في مخزن مهجور يقع في الجزء الخلفي من محطة للحافلات في بلغراد، يقضي عدة مئات من المهاجرين واللاجئين، معظمهم من الشبان الأفغان، أيامهم في محاولة للتدفئة من البرد القارس والتحدث حول كيفية مغادرة صربيا ومواصلة رحلاتهم صوب أوروبا الغربية.
والجدير بالذكر أنه منذ شهر مارس، لم يعد هناك أي طريق رسمي للمهاجرين وطالبي اللجوء للسفر شمالاً من اليونان سوى الموافقة على طلب للم شمل الأسر أو إعادة التوطين. مع ذلك، هناك خيارات لأولئك الذين يقدرون على ذلك. يتقاضى المهربون مبلغ 1,500 يورو لنقل مثل هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء من اليونان (عادة من مدينة سالونيك) إلى بلغراد، والمبلغ نفسه مرة أخرى لنقلهم إلى أوروبا الغربية.
ولكن الكثير منهم لا يستطيعون سوى الوصول إلى دول البلقان قبل نفاد أموالهم أو الاصطدام بعقبة السياسات الحكومية الصارمة، حيث تكثر عمليات الطرد والاعتقالات والترحيل في شتى أنحاء المنطقة، في وضع يصفه بعض النشطاء بأنه "موقف يشبه لعبة تنس الطاولة" حيث يُدفع هؤلاء الأشخاص ذهاباً وإياباً بلا نهائية.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، اكتشفت الشرطة الكرواتية 67 مهاجراً من أفغانستان وباكستان، بينهم ثلاثة أطفال، مكدسين في الجزء الخلفي من سيارة فان لأحد المهربين أثناء نقلهم من الحدود الصربية نحو العاصمة زغرب. كان العديد من هؤلاء المهاجرين يعانون من التسمم بأول أكسيد الكربون إضافة إلى الجوع والإرهاق. ومن المحتمل إعادتهم إلى صربيا عقب تلقي العلاج في المستشفى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مقدونيا وصربيا والبوسنة جميعها مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، مما يعني أنها من المفترض أن تعتمد تشريعات الاتحاد الأوروبي وتطبقها. غير أن الاتحاد الأوروبي لم يُعر اهتماماً يُذكر لمعاملة اللاجئين والمهاجرين في هذه المنطقة، لا سيّما بعدما أصبحت عمليات إغلاق الحدود وطرد المهاجرين شائعة بشكل متنامي، حتى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. وفي هذا الصدد، يفيد تقرير صدر حديثاً عن منظمة غير حكومية مقدونية تدعى لجيسLegis أنه منذ إغلاق طريق البلقان "تم تعديل السياسات بما يزيد المخاطر الأمنية التي تتعرض لها الفئات الضعيفة المهاجرة بدلاً من تخفيفها".
آلاف الأشخاص في خطر
ولا أحد يعرف على وجه التحديد عدد المهاجرين واللاجئين الذين تقطعت بهم السبل حالياً في مقدونيا وكوسوفو والبوسنة وصربيا. ولكن في صربيا وحدها، يُعتقد أن العدد يصل إلى نحو 10,000 شخص.
ويعيش قرابة 2,000 شخص في مبان مهجورة وحاويات متفرقة حول العاصمة بلغراد. وعلى الرغم من أنهم يواجهون العديد من التهديدات، إلا أن فصل الشتاء ربما يكون الأكثر خطورة، ذلك أن درجات الحرارة غالباً ما تنخفض في الليل إلى ما بين 4 و10 درجات مئوية تحت الصفر.
وقال ليو، وهو متطوع مع منظمة محلية غير حكومية لم يذكر سوى اسمه الأول، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن أكثر من 1,000 شخص ينامون في الثكنات العسكرية القديمة التي تقع خلف محطة السكك الحديدية الرئيسية في بلغراد، وأن هناك الكثير من الأشخاص ينامون في ظروف غير مريحة وفي العراء في الشوارع والحدائق العامة في المدينة: "إنهم يعيشون في ظروف غير إنسانية، بعضهم في أماكن غير نظيفة، ونحن نخشى من احتمال تفشي أمراض مختلفة".
تدير الحكومة 12 مركزاً لاستقبال المهاجرين واللاجئين، ولكنها تعاني الاكتظاظ ونقص الموظفين. وتعليقاً على هذه المركز، قال أندريا كونتينتا، من فريق منظمة أطباء بلا حدود الذي يقدم الرعاية الصحية للمهاجرين: "المخيمات تتحمل أكثر من طاقتها الاستيعابية وتفشل حالياً في توفر مستويات كافية من الخدمات الإنسانية الكريمة ... ونقل هؤلاء الأشخاص إلى المخيمات الموجودة ليس خياراً قابلاً للتطبيق".
وقال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "يجب تنفيذ خطة للمأوى المستدام في أقرب وقت ممكن لتجنب الوضع الكارثي الآخذ في التطور".
في السياق ذاته، قال ليو أن المهاجرين وطالبي اللجوء كانوا يختارون النوم في الشوارع، ليس بسبب الظروف السيئة في المراكز الحكومية فقط، بل لأنهم يعتقدون أن تسجيل أنفسهم مع السلطات الصربية يمكن أن يعرقل مواصلة رحلاتهم غرباً. إضافة إلى ذلك، تقع العديد من لتلك المراكز في أماكن نائية بعيدة عن الحدود التي يأملون في الوصول إليها.
وهناك قليل من المساعدة لمن يعيشون خارج الملاجئ. وبخلاف الوضع في اليونان، هناك عدد قليل من الجماعات التطوعية العاملة مع اللاجئين، ويعود هذا جزئياً إلى القواعد الصارمة التي تفرضها الحكومة. في شهر نوفمبر، أبلغت الحكومة المنظمات غير الحكومية أن توزيع الأغذية والملابس إلى أولئك الذين يعيشون خارج مراكز الاستقبال التي تديرها الدولة "لم يعد مقبولاً". وقد بذلت محاولات خلال فصل الصيف لإيقاف عمل العديد من المنظمات التي تقدم المساعدة للمهاجرين أو نقلها إلى أماكن أخرى، بما في ذلك منظمتي "انفو بارك بلغراد" و"ميكساليستي".
طرق جديدة، مشاكل جديدة
وفي العام الماضي، لم يمكث معظم المهاجرين سوى بضعة أيام فقط في صربيا قبل العبور إلى المجر أو كرواتيا، ومن ثم إلى الاتحاد الأوروبي. وفي ظل استحالة عبور هذه الحدود الآن تقريباً، يسلك المزيد من الأشخاص طرقاً تمر عبر البوسنة.
ولكن أولئك الذين يتم القبض عليهم وهم يعبرون الحدود إلى البوسنة يُعاملون كمهاجرين غير شرعيين ويتم احتجازهم في منشأة شبيهة بالسجن تقع بالقرب من سراييفو. وأفادت منظمة Your Rights أو "حقوقك"، وهي مؤسسة بوسنية تقدم المساعدة القانونية، أن أطفالاً كانوا من بين المحتجزين هناك.
وتعليقاً على هذا الوضع، قالت هاريسا باسيفيتش، المستشارة قانونية في منظمة حقوقك لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن نعتقد أن هذا أمر غير قانوني على الإطلاق". وقد أبلغت المنظمة مؤسسات الدولة المعنية بحقوق الإنسان في البوسنة وكذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بهذا الوضع. مع ذلك، يُعتقد أن خمسة أطفال كانوا يقيمون في مركز الاحتجاز في أوائل شهر ديسمبر.
وتحتجز مقدونيا أيضاً مهاجرين، بمن فيهم أطفال، منذ شهر مارس من هذا العام عندما أغلقت حدودها مع اليونان.
وقالت مرسيا سميلوفيتش، وهي محامية تدافع عن حقوق الإنسان مع منظمة لجيس أنه "يتم احتجاز المهاجرين في هذه المنشآت من دون أي سند قانوني". كما أشارت إلى أنه يتم حالياً احتجاز 200 مهاجر في منشأتين ولم تتح لهم فرصة للتقدم بطلب للجوء.
وأضافت أن مقدونيا تواجه أيضاً تحدياً قانونياً من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بخصوص التشريع الذي تبنته ويسمح "بطرد" أو إعادة الأشخاص الذين يتم القبض عليهم وهم يعبرون حدودها من البلدان المجاورة.
ووفقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي وردت في تقرير منظمة لجيس في وقت سابق من هذا الشهر، تم طرد 18,480 شخصاً خارج الأراضي المقدونية منذ بداية عام 2016.
علاوة على ذلك، تفيد المنظمات غير الحكومية والنشطاء بأن عمليات طرد المهاجرين كثيراً ما يصحبها تعامل عنيف، حيث يقول واحد من بين كل ثلاثة مرضى تقريباً ممن يترددون على عيادات منظمة أطباء بلا حدود في منطقة البلقان أنهم تعرضوا للإيذاء والعنف.
وختاماً، قال كونتينتا لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "في حين أن المهربين قد يتحملون بعض المسؤولية عن هذا العنف، إلا أن المرضى يقولون أن مالا يقل عن نصف هذه الأفعال ترتكبها سلطات الدولة، المسؤولة عن عمليات الطرد والترحيل والإبعاد".
(الصورة الرئيسية: لاجئون يلتفون حول نار أشعلوها للتدفئة في مخزن مهجور خلف محطة الحافلات في بلغراد. تصوير: إيجور شوكو/إيرين)
na/ks/ag-kab/dvh