دفعت المخاوف من احتمال استفادة حماس من الدخل الذي تحققه محطة توليد الكهرباء في غزة الاتحاد الأوروبي لقطع تمويله للمحطة، الأمر الذي أدى إلى غرق أجزاء من القطاع في ظلام دامس لعدة أيام.
وفي ظل مثل هذه الأزمات يستمر اقتصاد غزة، الذي يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية لتقديم الخدمات الأساسية، في الانحدار.
وتشير التقديرات المحافظة الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 1.3 مليار دولار على الأقل قد تم تسليمها على شكل مساعدات للفلسطينيين خلال العام 2006.
إلا أن فوز حماس في الانتخابات أوائل العام المنصرم جعل تقديم مثل هذه المساعدات عبر السلطة الفلسطينية قضية شائكة، إذ يُنظر لهذه الحركة الإسلامية على أنها منظمة إرهابية وقد تمت مقاطعتها من قبل الغرب.
وبينما كانت قضية المساعدات والدعم للسلطة الفلسطينية تتأزم، ظهرت توقعات بارتفاع الحاجات الإنسانية في البلاد. فقد طالبت المناشدة المشتركة التي أطلقتها 12 منظمة من منظمات الأمم المتحدة و14 منظمة غير حكومية في ديسمبر/كانون أول 2006 بأكثر من 450 مليون دولار، لتكون بذلك أكبر مناشدة إنسانية على الإطلاق في الأرض الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من ذلك، تم تمويل 29 بالمائة فقط من هذه المناشدة حتى منتصف العام 2007.
كما قامت بعض الدول، ومن بينها دول عربية، بتجاهل حكومة حماس وتقديم الأموال مباشرة لمكتب الرئيس محمود عباس.
وكانت النرويج تقريباً هي البلد الوحيد الذي وافق على استئناف التمويل في مارس/آذار 2007 بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بينما انتظرت دول أخرى، مثل اليابان التي أعلنت بدايات الشهر الحالي بأنها ستمنح 11 مليون دولار للسلطة الفلسطينية و9 ملايين آخرين كمساعدات إنسانية، حتى يخرج جميع أعضاء حماس من الحكومة.
ففي يونيو/حزيران الماضي، قام عباس بإقالة وزراء حماس من الحكومة بعد أن قامت الحركة الإسلامية بإخراج قوات فتح من غزة. وعيّن عباس الاقتصادي سلام فياض رئيساً لحكومة تسيير الأعمال الفلسطينية، وهو شخص يعتبره الغرب شريكاً" له. ولكن حماس حافظت على سيطرتها في غزة ومازالت تواجه المقاطعة.
الآلية الدولية المؤقتة
وكإشارة لدعمها لفياض، قامت بعض الحكومات بزيادة مساعداتها. فوفقاً لأحد المسؤولين، قامت الولايات المتحدة التي لا تدفع في العادة رواتب الموظفين في برامج الإغاثة، باستئناف مشاريع البنى التحتية. كما صادق الكونغرس الأمريكي مؤخراً على رصد مبلغ 80 مليون دولار للبعثة الأمنية برئاسة دايتون التي تهدف إلى تقوية قوات الأمن التابعة لعباس. أما كندا وأستراليا فقد قامتا بتقديم أموال للآلية الدولية المؤقتة.
وقال إيان هوبكينز من المفوضية الأوربية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "هذه الآلية هي ابتكار أوروبي، لمنع حدوث أزمة إنسانية".
فقبل فوز حماس في الانتخابات، كان هنالك صندوق ائتمان أسسه البنك الدولي والذي كان يموَل بشكل كبير من قبل أوروبا لمساعدة السلطة الفلسطينية على دفع الرواتب وتقديم الخدمات. وبعد الانتخابات تم تأسيس الآلية الدولية المؤقتة التي يمولها بشكل رئيسي الاتحاد الأوروبي، لتطويق حماس وتقديم المساعدات للفلسطينيين في نفس الوقت.
فضمن هذه الآلية الفريدة من نوعها في العالم، يستلم موظفو السلطة الفلسطينية "مخصصات" مباشرة عبر حسابهم البنكي، بينما تصل الأموال للمستشفيات والمدارس مباشرة كما الفئات الأكثر فقراً من الفلسطينيين الذين يحصلون على مخصصات اجتماعية.
وقد تم توزيع ما يزيد عن 350 مليون يورو من خلال هذا النظام الذي كان من الضروري تنفيذه في الوقت الذي كانت إسرائيل تفرض فيه تجميداً شبه كامل على تحويل عوائد الضرائب للسلطة الفلسطينية منذ مارس/آذار 2006 وحتى استلام فيض لمهامه.
ولكن تقريراً صادراً عن منظمة أوكسفام أوائل العام الجاري انتقد التكاليف العالية للآلية الدولية المؤقتة مشيراً كذلك إلى أنها تلحق الأذى بالاقتصاد المحلي.
ورد مسؤولو الاتحاد الأوروبي بالقول أن التكاليف تأتي ضمن هوامش مقبولة وأنه لا يوجد خيار آخر في الوقت الذي تتحكم فيه حماس بالسلطة الفلسطينية.
وقال هوبكنز: "من خلال هذا النظام يمكنني أن أتابع كل دفعة ولأي شخص تذهب"، مبيناً كيف تسمح له الآلية الدولية المؤقتة من التأكد بأن كل سنت قد وصل إلى الجهة المقصودة.
وعلى الرغم من أن تكاليف إتمام المعاملات أعلى من مثيلاتها التي تمم من خلال صندوق الائتمان، إلا أن هوبكنز أشار إلى أن المزيد من الأموال الأوروبية تمنح بشكل عام إلى الآلية.
المزيد من السمك والقليل من الصنارات
وإلى جانب محاولاتهم لتقديم الأموال دون وصولها لحماس، يبقى المانحون في مواجهة مآزق أخرى، إذ يرى بعض المراقبين بأنه في الوقت الذي تستمر فيه مقاطعة حماس، قد يتسبب المانحون في خلق توتر بين الأطراف الفلسطينية المتنازعة.
كما برزت مخاوف على السطح في أن تصبح غزة معتمدة بشكل كامل على المساعدات بينما يسير اقتصادها نحو الانهيار.
وقال نيكولاس بيلهام من منظمة إنترناشونال كريسيس جروب بأن "هناك توجه متزايد نحو تقديم المزيد من السمك والقليل من صنارات الصيد، وقد تفاقم هذه الأمر مع مقاطعة حماس...وفي حال نشأت أزمة إنسانية، فإن المجتمع الدولي سيكون مسؤولاً عن حدوثها".
كما يرى هوبكنز أن إيقاف المساعدات الإنسانية ليس خياراً مطروحاً وأضاف بأن المنظمة ستكون سعيدة "إذا ما تم إغلاق الآلية الدولية المؤقتة واستبدالها بالمزيد من التطوير المؤسسي ومشاريع الإنماء طويلة الأجل"، كما كان الاتحاد الأوروبي يفعل قبل عام 2000.
في حال نشأت أزمة إنسانية، فإن المجتمع الدولي سيكون مسؤولاً عن حدوثها |
من جهته، قال نيفي جوردن، المحاضر السياسي في جامعة بن جوريون الإسرائيلية أنه "من الضروري اتخاذ خطوات لتقوية عناصر الدولة الحديثة...[وفي هذا الصدد] حرية الحركة هي أمر بالغ الأهمية".
ويتهم البعض المجتمع الدولي بتجاهل بعض الأطراف الأخرى المسؤولة عن تردي الأوضاع بما فيها إسرائيل، القوى المحتلة للأراضي الفلسطينية.
وقال مايكل بيلي من مكتب اوكسفام في القدس: " من المجحف بحق الناس في غزة أن يفقدوا المساعدات من أجل تحقيق تحرك على الصعيد السياسي. هنالك حلان: إما تقديم المساعدات الإنسانية والتزام الصمت أو تقديم المساعدات والمطالبة برفع الحصار [عن غزة]"، مشيراً إلى إغلاق المعابر. "علينا أن نجعل الناس يفهمون لماذا يتم تقديم المساعدات".