يتداول العموم في دمشق نكتة طريفة حول رجلين عراقيين يجوبان شوارع دمشق غاضبين من الأعداد الهائلة من السوريين الذين استولوا على مدينتهما.
وهذه النكتة إن دلت على شيء إنما تدل على أن تدفق 2,000 لاجئ عراقي على سوريا يومياً، بالإضافة إلى 1.5 مليون المتواجدين فيها منذ بداية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003، قد أصبح ينذر، حسب الخبراء الاقتصاديين والخبراء في شؤون اللجوء، بأزمة اجتماعية واقتصادية حتمية.
ففي الوقت الذي تعيش فيه عشرات الآلاف من العائلات العراقية داخل دمشق وفي ضواحيها متسببة في ارتفاع الطلب على البضائع والخدمات المحدودة، يحذر المراقبون من أن الضغط الاقتصادي قد يخرج عن نطاق السيطرة بمجرد أن يستنزف العراقيون كل مدخراتهم ويصبحون عالة على نظام الرعاية الاجتماعية السوري.
ويقول عمار قرابي، من المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا التي تابعت عن كثب تأثير اللاجئين العراقيين على سوريا: عندما جاء العراقيون لأول مرة إلى البلاد، كان السوريون سعداء بهم ولكن الأمر قد تغير الآن. فمعظم السوريين غاضبين من اللاجئين لأنهم يتسببون في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات ويحظون بالوظائف السهلة حارمين السوريين من الحصول على فرص عمل".
التضخم
وبينما توضح الأرقام الحكومية الصادرة عن المكتب الرئيسي للإحصاء بأن نسبة التضخم ستشهد انخفاضاً ضئيلاً من 9.2 بالمائة سنة 2006 إلى 8 بالمائة خلال سنة 2007، فإن بعض الخبراء الاقتصاديين في دمشق يرون أن الرقم الحقيقي قد يرتفع إلى 30 بالمائة.وتتجلى أكبر نسبة تضخم في سوق العقارات، حيث يقوم عشرات الآلاف من العراقيين بشراء واستئجار بيوت في جميع أنحاء المدينة متسببين في ارتفاع الأسعار بنسبة 300 بالمائة. وتقدر دراسة أجرتها المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان بأن معدل الإيجار الشهري لشقة مؤلفة من غرفتين في ضواحي دمشق قد ارتفع من 8,000 ليرة سورية (160 دولار) سنة 2005 إلى 20,000 ليرة سورية (400 دولار) حالياً. ففي بلد لا يتعدى فيه مرتب الموظف الحكومي العادي مبلغ 120 دولار، يضطر العديد من السوريين للعمل في وظيفتين حتى يتمكنوا من دفع الإيجار بسهولة.
وحول هذا الموضوع، يقول رامي وهو مدرس لغة إنجليزية متوسط الدخل بدمشق: "أصبح الموضوع مشكلة كبيرة بالنسبة لنا. أريد شراء بيت لي ولكن الأسعار تشهد ارتفاعاً جنونياً منذ مجيء العراقيين إلى البلد".
وقد تسبب ارتفاع الأسعار الذي تشهده سوق العقارات في رفع أسعار الإسمنت إلى 200 دولار للطن في شهر آذار/مارس، أي بنسبة 300 بالمائة مما كان عليه منذ ثلاث سنوات، الشيء الذي أدى بدوره إلى تباطؤ الطفرة التي كان قطاع البناء في البلاد قد بدأ يشهدها سابقاً.
تزايد الطلب على الخبز
وتظهر الأرقام الصادرة عن المكتب الاستشاري للاستثمار والتنمية السوري، والمنقولة عن وسائل الإعلام التابعة للدولة، أنه منذ بدء تدفق اللاجئين العراقيين على سوريا سنة 2005، ارتفع الطلب على الخبز في دمشق، بنسبة 35 بالمائة، والكهرباء بنسبة 27 بالمائة، والماء بنسبة 20 بالمائة والكيروسين بنسبة 17 بالمائة.
الخدمات الصحية المقدمة من الدولة
من جهته، يقول نبيل سكر، الخبير الاقتصادي الذي يتولى إدارة المكتب الاستشاري للاستثمار والتنمية السوري: "إنهم يرفعون الطلب على كل الخدمات المدعومة من الدولة خصوصاً التعليم والصحة التي يستفيدون منها مجاناً".
فهناك حوالي 75,000 طفل عراقي مسجل في المدارس السورية، مما تسبب في ازدحام شديد في بعض الفصول التي وصل عدد الطلاب فيها إلى 60 طالباً في الفصل الواحد. واضطرت المدارس إلى تطبيق العمل بدوامين حتى تتمكن من مواجهة الضغط المتزايد على التعليم.
وباستثناء المبادرات الأخيرة التي قامت بها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) لبناء ثلاث مدارس ومستشفى جديد، لم تشهد البنية التحتية السورية أي تطور يمكنها من مواجهة الضغط المتزايد.من جهتها، صرحت سبيلا وايلكس، الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن "الضغوطات الإضافية التي يمارسها العراقيون على النظام الحالي تدفعه إلى أقصى حدود إمكانياته".
إلا أنه وبالرغم من كون العديد من السوريين يحملون العراقيين مسؤولية الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها بلادهم منذ مدة بما فيها ارتفاع نسبة البطالة إلى 20 بالمائة، إلا أن الثقل الاقتصادي للاجئين العراقيين لم يتبد بعد بشكل كبير على الاقتصاد السوري، حيث يقول زياد يازجي، الخبير الاقتصادي بدمشق، بأن "أسعار المواد الأساسية، خصوصاً الطعام، قد ارتفعت قليلاً في السنة الماضية إلا أنها عادت للاستقرار بعد ذلك. فنسبة التضخم لا تدل بشكل أساسي على مدى انخفاض القدرة الشرائية للمواطن متوسط الدخل".
الدعم الحكومي
الصورة: جوليان لينيرت/إيرين |
البضائع المدعومة من قبل الحكومة السورية مثل الخبز باتت في خطر بعد الزيادة الكبيرة على الطلب بسبب اللاجئين العراقيين |
تعزيز النمو
ولا يمكن القول بأن تأثير اللاجئين العراقيين على سوريا كان سلبياً فقط، فتزايد الطلب على المواد الاستهلاكية وعلى العقارات قد أدى إلى انتعاش الاستهلاك القومي مساهماً بذلك في ارتفاع معدل الناتج القومي الإجمالي للحكومة من 5.6 بالمائة سنة 2006 إلى 7 بالمائة سنة 2007.
ووفقاًَ لنبيل سكر، فإن العراقيين "قد أحضروا معهم المال، واستثمروا في العقارات، وفتحوا المحلات التجارية، وهذا كله قد ساهم بشكل إيجابي في انتعاش الاقتصاد".
"