على الرغم من أن غالبية الجياع والمصابين بسوء التغذية في العالم يعانون من جوع موسمي أكثر من كونهم يعانون من مجاعة ناجمة عن نزاعات وكوارث طبيعية، إلا أن المانحين والحكومات عادة ما يتعاملون مع مشاكل المجاعة المتكررة كأنها طوارئ تحدث مرة واحدة مما يضعف قدرتهم على الاستجابة لها والتعامل معها.
وفي هذا السياق، قال ستيفن ديفرو، زميل أبحاث بمعهد دراسات التنمية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "إذا نظرت إلى إثيوبيا [مثلاً]، فإنك ستجد دائماً [منذ التسعينيات] مناشدة إنسانية لتقديم المساعدات الغذائية التي يستفيد منها سنوياً أكثر من أربعة ملايين شخص... من الواضح أنه بالرغم من اعتبار المشكلة مشكلة موسمية إلا أنه يتم التعامل معها كل سنة على أنها حالة طارئة".
وتشكل هذه المعضلة موضوع كتاب جديد لديفرو وبابو فايتلا من جامعة تافتس Tufts University وسامويل هونشتاين سوان من منظمة العمل ضد الجوع Action Against Hunger غير الحكومية تحت عنوان "الجوع الموسمي - مكافحة دورات المجاعة الصامتة بين فقراء الأرياف في العالم". ويأتي صدور هذا الكتاب في وقت تعاني فيه ملايين الأسر في دول إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا من مواسم زراعية هزيلة.
وحسب ديفرو، عادة ما يتم إهمال الجوع الدوري في ظل التركيز الدولي على الجوع المزمن والجوع الحاد المرتبطين بالفقر حيث أفاد أن "برامج مكافحة المجاعة تتعامل مع الجوع المزمن والفقر وفي حين تتعامل برامج الطوارئ مع الأزمات القصيرة الأمد بينما لا يركز أحد على الجوع الروتيني. يجب أن نثير الانتباه إلى ذلك". وأضاف أن نسق المساعدات الحالي لا يسمح بتطبيق الحلول المثبتة على نطاق واسع بما يكفي لإحداث فرق.
وتتضمن هذه الحلول المبادرات المجتمعية التي تأتي مع حلول جاهزة للتطبيق في مجال الأغذية والتحويلات النقدية وغيرها من التدابير لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي بالإضافة إلى برامج تعزيز الصحة الغذائية للأطفال خلال فترة ما قبل سن الدراسة.
ويرى مؤلفو الكتاب أن توسيع نطاق هذه الجهود لخلق الحل "الأدنى الضروري" لمكافحة الجوع الموسمي سيكلف 0,1 بالمائة فقط من الناتج المحلي العالمي، أو ما يقرب من 10 سنتات أمريكية عن كل مواطن أميركي في السنة.
وقد أظهرت البرامج في ملاوي وإثيوبيا والسودان فعالية توفير المجتمعات المحلية لأغذية جاهزة للاستعمال لحوالي 80 بالمائة من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية دون أن يكونوا مصابين بأية أمراض إضافية حيث يساعد ذلك الأسر على تجنب تكلفة العلاج في المستشفيات.
ومن بين المناهج الأخرى التي أثبتت نجاحها في هذا المجال التركيز على الصحة والتغذية في السنوات الأولى من حياة الطفل وخلال فترة الحمل والرضاعة الطبيعية وذلك من خلال تشجيع وتقديم الأغذية التكميلية للحوامل والمرضعات والأطفال دون سن الدراسة.
كما يرى المؤلفون أنه في ظل كون 70 بالمائة من الجياع في العالم عبارة عن أسر العمال الريفيين الذين لا أرض لهم أو صغار المزارعين، فإنه بإمكان شبكات الأمان الاجتماعي، مثل خطط التشغيل والتحويلات النقدية، أن تلعب هي الأخرى دوراً حيوياً في الحد من الجوع الدوري.
ويشير ديفرو إلى أن بعض الحكومات تقوم بالفعل بمعالجة نقص التغذية الدورية حيث تشرف الحكومة الإثيوبية مثلاً على برامج تحويلات نقدية في جميع أنحاء البلاد تهدف إلى إخراج الناس من وضعهم في غضون سنوات قليلة، في حين تضمن الحكومة الهندية لكل الأسر الريفية المستضعفة عملاً مأجوراً لمدة 100 يوم في السنة. وعلق على ذلك بقوله: "إنهم يأخذون الأمر على محمل الجد باعتباره مشكلة طويلة الأمد".
ووفقاً لديفرو، فقد بدأ المانحون مثل إدارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة بالتركيز على برامج الحماية الاجتماعية بشكل أكثر جدية بما في ذلك معالجة الجوع الدوري بالرغم من أنهم لا يدرجون ذلك في إطار المساعدات الموسمية.
ولكن رفع مستوى برامج التغذية المجتمعية أمر صعب نظراً لمستوى الرصد والتدريب التي يتطلبه ذلك، حسب ديفرو الذي أوصى الحكومات والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة بأن تقوم بتكرار البرامج القائمة من منطقة إلى أخرى لخلق ما يسميه "خليط التغطية" وذلك بدلاً من طرح خطط وطنية متفرقة.
وقال ديفرو، أن السبب وراء إهمال الجوع الدوري خلال الثمانينيات والتسعينيات يكمن جزئياً في اتفاق واشنطن الذي شدد على ضرورة الحد من تدخل الحكومات في مجال الزراعة والأغذية وشبكات الأمان الغذائية. ولكن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية واستمرار الأزمة المالية العالمية وتجدد التركيز على النمو الزراعي أصبح الوقت مناسباً الآن لإعادة تركيز السياسة الدولية تجاه مكافحة الجوع الدوري.
ويشكل موضوع دعم الجوع الموسمي الموضوع الرئيسي للمؤتمر الذي ينعقد بمعهد دراسات التنمية يوم 8 يوليو/تموز، وهي المرة الأولى التي يجتمع فيها خبراء عالميون لمناقشة هذا الموضوع منذ 30 عاماً.
"