امتلأت الصحف في جميع أنحاء العالم في الأشهر القليلة الماضية بالجدل الدائر حول الدراسات الجديدة التي تتوقع ارتفاعاً متزايداً في مستوى سطح البحر بحلول القرن القادم، وهو ما يعني نهاية وجود البلدان المنخفضة والمدن الساحلية.
وقد أشعل هذا الجدل التفسيرات المتباينة لأثر ذوبان الجليد والتوقعات الجديدة بارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار يصل إلى 1.4 متراً بحلول عام 2100 بدلاً من توقعات عام 2007 التي صدرت عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC والتي قدرت ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار يتراوح ما بين 18 سنتيمتراً و59 سنتيمتراً بحلول عام 2100 اعتماداً على سيناريوهات انبعاث الغازات الدفيئة.
ويرجع السبب في تلك التوقعات الجديدة حول ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تسارع معدلات فقدان الصفائح الجليدية في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية نتيجة لارتفاع درجات الحرارة العالمية. وقد دفع ذلك ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى التحذير في كتابه السنوي لعام 2009 من أن العالم ربما قد "وصل أو تجاوز" نقاط تحول هامة ستؤدي إلى تغيرات لا رجعة فيها في نظم الأرض الرئيسية.
وقد عُقِد في العاشر من مارس/آذار في العاصمة الدنمركية كوبنهاجن اجتماع ضم باحثين في التغيرات المناخية من أجل حسم الجدل والتوصل إلى مجموعة حديثة من النتائج العلمية حول تغير المناخ لإعلانها أثناء المحادثات التي ستعقدها الأمم المتحدة حول التغير المناخي في كوبنهاجن في ديسمبر/كانون الأول القادم.
آثار نشهدها الآن
ويرتفع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان جليد اليابسة والأنهار والرفوف الجليدية والتمدد الحراري للمياه حيث تشغل المياه الدافئة حجماً أكبر من المياه الباردة.
وقد ذكر الكتاب السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن مستوى سطح البحر قد ارتفع بمقدار 2 سنتيمتر في القرن الثامن عشر و 6 سنتيمترات في القرن التاسع عشر و 19 سنتيمتراً في القرن العشرين. وقال الكتاب بالإشارة إلى دراسات جديدة أنه مع تفكك الصفائح الجليدية في نهاية العصر الجليدي الأخير منذ حوالي 10 آلاف سنة ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار يتراوح ما بين 70 سنتيمتراً و 1.3 متراً في كل قرن.
وسيؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد في جميع أنحاء العالم إلى تشريد ما يقرب من 100 مليون شخص في آسيا، معظمهم في شرق الصين وفي بنجلاديش وفيتنام، و14 مليون شخص في أوروبا و8 ملايين شخص في إفريقيا ومثلهم في أمريكا الجنوبية.
واستناداً إلى النتائج التي توصلت إليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فقد ذكر مختبر برودمان لعلوم المحيطات التابع لمجلس البيئة الطبيعية في بريطانيا أنه من المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر بمقدار 50 سنتيمتراً خلال المائة عام القادمة، حيث يتوقع أن يحدث معظم الارتفاع في النصف الثاني من القرن القادم. وبالتالي فإن الارتفاع في مستوى سطح البحر خلال السنوات العشرين إلى الثلاثين القادمة (أي ما يتبقى من عمرك) يمكن أن يكون مشابهاً للارتفاع الذي حدث خلال الثلاثين عاماً الماضية.
وبدأ أثر ارتفاع مستوى سطح البحر يظهر بالفعل، كما في الدول المكونة من جزر مثل بابوا غينيا الجديدة. ففي عام 2005 تم إجلاء 1,000 من سكانها في إحدى الجزر المرجانية لأن ارتفاع مستوى سطح البحر كان يُغرِق الجزيرة ببطء.
وقال روبرت بندشادلر، كبير العلماء في مختبر علوم الغلاف الحيوي لمركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا: "سنرى أيضاً زيادة في هبوب العواصف".
وقال ستيفان رامستورف، عالم المناخ وأخصائي علم المحيطات في معهد بوتسدام لبحوث أثر المناخ في ألمانيا، والذي توقع ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 1.4 متراً أنه "كان من الهام جداً أن تأخذ الحكومات في اعتبارها النتائج الجديدة بسبب النطاق الزمني الطويل لارتفاع مستوى سطح البحر".
وأضاف رامستورف قائلاً: "بمجرد أن يبدأ مستوى سطح البحر في الارتفاع يصبح من المستحيل إيقافه. والفرصة الوحيدة للحد من ارتفاع مستوى سطح البحر إلى مستويات يمكن السيطرة عليها (لنقول متر وهو ارتفاع شديد بما فيه الكفاية) هي خفض الانبعاثات بأسرع وقت ممكن في هذا القرن. وبعد ذلك سيكون قد فات الأوان ولا يمكننا فعل الكثير".
ولكن علماء مثل مونيرول قادر ميرزا، وهو مؤلف تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أشار إلى أنه حتى مع التقديرات المتحفظة كارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 32 سنتيمتراً، فإن 84 بالمائة من سونداربانس، وهي أكبر مستنقعات لشجر المنجروف في العالم والتي تقع بين بنجلاديش والهند سوف تغمرها المياه بحلول عام 2050.
الآثار أجلاً أم عاجلاً
وهناك المزيد من الأخبار السيئة، فقد أشار رامستورف إلى أن لجنة دلتا الهولندية التي تضم 20 خبيراً دولياً قد قدمت أيضاً تقديرات مرتفعة لارتفاع مستوى سطح البحر بما يتراوح بين 0.55 و 1.1 متراً بحلول 2100. وعلى نحو مثير للقلق، قالت اللجنة أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيستمر. وقد خلصت اللجنة إلى أنه بحلول عام 2200 سيكون مستوى سطح البحر أعلى بمقدار يتراوح ما بين 1.5 و 3.5 متراً ما لم يتم الآن وقف ظاهرة الاحتباس الحراري.
وترتفع درجات الحرارة في العالم بسبب التركيز العالي لغاز ثاني أكسيد الكربون في الجو. وقد أشار جيم هانسن، رئيس معهد غودارد للدراسات الفضائية التابع لوكالة ناسا، في دراسة أجريت عام 2008 إلى إنه إذا لم يتم الحفاظ على تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو تحت مستوى 350 جزء في المليون فإن النتائج ستكون كارثية.
والمستوى الحالي لتركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو هو 385 جزء في المليون وقد يصل إلى 450 جزء في المليون وإذا بقي على هذا المستوى فإن جميع الجليد سينصهر، وهو ما يعني - طبقاً لهانسن - "ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 75 متراً". وقد وضع الاتحاد الأوروبي هدفاً له بإبقاء تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو تحت مستوى 550 جزء في المليون.
ولم تأخذ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الاعتبار أثر الجليد المنصهر في المناطق القطبية حيث ذكر الكتاب السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن اللجنة "لم تكن قادرة على نسب تغيرات المناخ الملحوظة في المناطق القطبية بصورة رسمية إلى النشاط الإنساني بسبب التقلبات الطبيعية في تلك المناطق".
وقال بندشادلر أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ قد "تركت إلى حد ما للمجتمع العلمي مهمة وضع نماذج دقيقة للمناخ" من شأنها أن تمكننا من رسم توقعات دقيقة لأثر ارتفاع درجات الحرارة على انصهار الجليد وما يتبعه من ارتفاع في مستوى سطح البحر.
ويقود بندشادلر فريق سيقوم بوضع نماذج للمساعدة في توفير المعلومات لتقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والمتوقع صدوره في عام 2014. وفي الوقت نفسه، ظهرت إلى السطح تقديرات انصهار الجليد المبنية على أساس تجريبي كتقديرات رامستورف.
وقال بندشادلر: "أُفضِّل تلك المناهج بدل الفهم الكمي للعمليات الفيزيائية المسؤولة عن الزيادة الأخيرة التي شهدناها في تدفق الجليد".
وذكر الكتاب السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن عام 2008 كان العام الثاني على التوالي الذي لم يتواجد فيه جليد في القناة الموجودة في الممر الشمالي الغربي في القطب المتجمد الشمالي الذي يمر عبر جزر شمال كندا. ولكن "عام 2008 قد شهد أيضاً فتح طريق بحر الشمال عبر ساحل سيبريا في القطب الشمالي. وربما لم يكن هذان الممران مفتوحين في وقت واحد منذ ما قبل العصر الجليدي الأخير أي منذ حوالي 100 ألف عام".
ومن الصعب التكهن بارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل حيث قال بندشادلر: "لن يكون من السهل التكهن بتلك التوقعات. فنحن لا نعرف كيف ستكون ردود أفعال أحواض البحار المختلفة، ولكن ما نعرفه كحقيقة مسلم بها هو أننا على الطريق نحو جليد أقل والمزيد من المياه في المحيطات".
وأضاف: "نعرف أن انصهار الجليد يتسارع ... قد حان وقت العمل، وسيقع في الخطأ أي صانع قرار يحاول تجاهل هذا التحذير".
"