اضطر العديد من القادة المجتمعيين في مخيم داداب، الواقع في شمال كينيا، لمغادرة المخيم خوفاً على حياتهم بعد أن شهدوا مقتل اثنين من زملائهم. ويعد مجمع مخيمات داداب أكبر مخيم للاجئين في العالم حيث يستضيف حوالي 463,000 لاجئ أغلبهم من الصومال.
وتأتي عمليات القتل والتهديد التي تستهدف اللاجئين، في أعقاب تكثيف قادة المخيمات لجهود المراقبة بعد التفجيرات الأخيرة. وتٌلقي الشرطة الكينية اللوم على حركة الشباب الصومالية المتمردة، التي تستهدفها حاليا عمليات الجيش الكيني في الصومال.
وتعتقد الشرطة، التي لقي أحد عناصرها حتفه خلال التفجير الأخير يوم 19 ديسمبر، أن حركة الشباب قد تمكنت من زرع خلية لها في المخيم، حيث أخبر بعض اللاجئين شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الشرطة طلبت منهم تسليم "عناصر الشر" المقيمة بينهم. كما قامت الشرطة باعتقال عدد من اللاجئين في مخيمي إيفو وهغاديرا خلال عمليات التمشيط الأمني التي تقوم بها.
وفي السياق نفسه، أطلق مسلحون مجهولون الرصاص على أحمد محمود محمد، أحد قادة مخيم هغاديرا، يوم 29 ديسمبر مما تسبب في مقتله. وتلا ذلك بثلاثة أيام مقتل قائد آخر بنفس الطريقة في مخيم إيفو. وكان القتيلان قد لعبا دورا مهما في فرق أمن وسلام المجتمع، وهي عبارة عن فرق تطوعية شبيهة بفرق الشرطة تم إنشاؤها قبل عدة سنوات.
وفي تعليق على الموضوع، أفاد أحد القادة المجتمعيين في المخيم، فضّل عدم ذكر إِسمه، أن "هؤلاء لقوا حتفهم أثناء الاشتباكات بين الشرطة الكينية وعناصر من حركة الشباب...لم يعد العمل كقائد في المخيم أمراً آمناً هذه الأيام. فإذا رفضنا التعاون مع الشرطة نتعرض لقمعها وإذا وافقنا تستهدفنا عناصر حركة الشباب".
من جهته، قال أحد سكان مخيم إيفو، حيث قام السكان في الأسبوع الماضي بتسليم الشرطة معدات تُستخدم لصنع المتفجرات كانوا قد وجدوها في المخيم: "نشعر بالخوف الشديد خلال الليل، لأننا نخشى التعرض لهجمات من طرف الأفراد الذين خبؤوا هذه المتفجرات في المخيم".
كما أفاد أحد القادة المجتمعيين الشباب في مخيم داغالي، أحد مخيمات داداب، أنه اضطر لمغادرة المخيم بعد تلقيه لعدد من التهديدات بالقتل على الهاتف وسماعه عن أشخاص مجهولين يبحثون عنه داخل الأجزاء السكنية من المخيم. وعلق على الموضوع بقوله: "بما أنني كنت عضواً في فرق أمن وسلامة المجتمع، فإنني أخشى على حياتي"، مشيراً إلى أن الذي اتصل به على الهاتف قال له باللغة الصومالية: "إذا لم تتوقف عما تقوم به، فإننا سنأتي إليك أينما كنت". وأضاف: "ليست هناك أية حماية في داداب. لقد أصبح المخيم مثل الصومال تماماً، حيث يقتل الناس في وضح النهار. لذا سوف أترك فرقة أمن وسلامة المجتمع ولن أُجازف بحياتي."
التهديدات
أفاد لينارت هيرناندر، ممثل الاتحاد العالمي اللوثري، وهي منظمة غير حكومية تتولى تدريب الفرق التطوعية لأمن وسلامة المجتمع وتتحمل مسؤولية المأوى والأمن في داداب، أن "هناك بعض الأشخاص الذين تلقوا تهديدات بالفعل وقد تم إجلاؤهم". وأوضح أنه بالرغم من أن هؤلاء اللاجئين يحتلون بعض مناصب المسؤولية في المخيم إلا أنهم لم يكونوا جميعاً أعضاء في الفرق التطوعية لأمن وسلامة المجتمع. كما قال معلقاً عن سبب القتل: "نحن لا نعلم سبب القتل ولا نريد التكهن...إن الفرق التطوعية تقوم بدور مهم للغاية في حل المشاكل اليومية في المخيمات مثل العنف الأسري والخلافات بين اللاجئين والمناوشات بين الواقفين في الطوابير وما إلى ذلك... كما أنهم يقومون بدور مهم للغاية في توفير الحماية للنساء من خلال دورياتهم التي تمشط المخيم ليل نهار. ونحن على ثقة تامة بأنهم يحولون دون حدوث اعتداءات جنسية... ولكن علينا أن نقوم بمراجعة النظام الكامل لفرق أمن وسلامة المجتمع".
وكان انعدام الأمن في داداب قد أدى إلى تقييد عمليات الإغاثة وحصرها في الخدمات الأساسية فقط. كما تسبب أيضا في توقف عمليات توزيع المساعدات الغذائية لمدة قصيرة في أواخر عام 2011 ، ليتم استئنافها قبيل نهاية العام.
وفي هذا السياق، أفاد حسن بونو، أحد المقيمين القدامى في المخيم، أنه "بتعرض القادة الذين كانوا يقومون بدور موظفي الإغاثة في داداب للهجوم، لم يعد لدينا من نعتمد عليه. لقد أصبح توصيل الخدمات في المخيم أمراً صعباً للغاية. نحن في وضع سيء للغاية".
وكانت كل هذه التراكمات بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء وجودة موسم الأمطار في ديارهم قد دفعت بعض اللاجئين للعودة إلى الصومال، حسب محمد جمعة، أحد القادة في مخيم إيفو، الذي قال: "نعن نعلم أن عدداً من الأسر التي تعيش في مخيم إيفو 2 قد عادت إلى مزارعها في جنوب الصومال. فقد كان نزوحهم بسبب المجاعة أما الآن فقط سقطت الأمطار". وأشار إلى أن مغادرة هذه الأسر تركت عدداً من الخيام في مخيم إيفو 2 خالية.
انتقاد الشرطة
تعرضت قوات الشرطة لانتقادات بعد اعتقالها للعديد من الشباب يوم 5 يناير إثر بلاغ عن وجود معدات لصنع متفجرات. وهو ما علق عليه أحد سكان المخيم بقوله: "لقد قامت الشرطة بإلقاء القبض على أولادنا الأبرياء من دون سبب بعد أن قمنا بالتعاون معها. يخشى العديد من سكان المخيم التطوع بتقديم أية معلومات للشرطة خوفاً من ردة فعل مماثلة."
وفي هذا السياق، انتقدت منظمة سيتيزن رايتس واتش، وهي منظمة حقوقية محلية، الانتهاكات التي ارتكبها رجال الشرطة الكينية في مخيم داداب، متهمة الشرطة بارتكاب جرائم اغتصاب جماعية ونهب وتدمير الممتلكات. وهي اتهامات نفاها نائب المتحدث باسم الشرطة الكينية، تشارلز أوينو واهونغو، قائلاً لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الادعاءات الخاصة بتعرض الشرطة للاجئين في داداب هي ادعاءات مغرضة حيث لم يسبق من قبل أن قام أي أحد بالتبليغ عن مثل هذه الانتهاكات. وإذا كانت هذه الاتهامات صحيحة فنحن مستعدون لتلقي الشكاوي والتعامل معها كما يقتضي القانون ولكن في الوقت الحالي ليس لدينا تعليقٌ أخر".
Mh/am/mw-mf/amz