شهدت الأشهر الأخيرة انتشار تقارير إعلامية تهاجم برامج المعونة التي تقدمها المملكة المتحدة، استهدفت أحدثها برامج التحويلات النقدية للفقراء، أو ما يُعرف باسم "ماكينة المعونة الخارجية البريطانية التي تقدم مليار جنيه إسترليني".
والجدير بالذكر أن التحويلات النقدية أصبحت تستخدم بشكل متزايد في الآونة الأخيرة لتوزيع المعونة الخارجية، ودافعت رئيسة وزراء بريطانيا عنها باعتبارها وسيلة فعّالة على نحو خاص للوصول إلى الأشخاص الأشد فقراً في العالم.
وفيما يرى المنتقدون، الذين يعانون من الارتباك، أن منح النقود مباشرة إلى المحتاجين بطريقة أو بأخرى أقل قبولاً من الأشكال الأخرى من المساعدات، فإنهم يدينون في الوقت نفسه هدر أموال المساعدات العامة.
وفيما يلي خمس خرافات شائعة حول التحويلات النقدية، نُتبعها بما نعرفه فعلاً عن هذا الشكل من أشكال المساعدات:
الخرافة الأولى: التحويلات النقدية تزيد الفساد
مجرد فكرة منح النقود للفقراء يستدعي في أذهان البعض صورة تداول لفافات الأوراق النقدية. ويفترض منتقدو برامج التحويلات النقدية أن منح النقود يسهل سرقتها وأنها تُعد أيضاً أكثر إغراء من الأشكال الأخرى من المساعدات. ولكن لا يوجد سبب يجعل التحويلات النقدية أكثر عُرضة للفساد من الأشكال الأخرى من الضمان الاجتماعي، لأن جميع البرامج تنطوي على خطر أن يحصل الأشخاص غير المؤهلين على المساعدات، سواء كانت نقدية أو على شكل سلع، بشكل أو بآخر.
بل إن إعطاء المساعدات في شكل نقود يقضي فعلياً على طبقات من الوسطاء، ومن ثم يقلل من فرص الفساد.
الخرافة الثانية: التحويلات النقدية تجعل الناس كسالى
أكدت المراجعة التي أجراها معهد التنمية الخارجية لـ165 دراسة، شملت 56 برنامجاً من برامج التحويلات النقدية، أن تلك البرامج قد أسهمت- بشكل عام- في زيادة احتمال تواجد البالغين في العمل وزيادة عدد الساعات التي يعملونها في الأسبوع. وأسهمت في تراجع عمل الأطفال أيضاً، بينما أظهرت تحسناً في معدل الذهاب إلى المدارس.
وفيما يتعلق ببرنامج بنظير لدعم الإيرادات في باكستان (BISP)، الذي تعرّض، دون غيره، للانتقادات في تقارير وسائل الإعلام مؤخراً، فقد كشف التقييم الذي أجري في عام 2015 أن برنامج التحويلات النقدية قاد إلى انخفاض مشاركة كبار السن والمرضى فقط في القوة العاملة، وهي نتيجة إيجابية لا يمكن إنكارها.
يمكن اتهام أي شكل من أشكال المساعدات، سواء كانت معونة خارجية أو استحقاقات الرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة، بأنها تخلق ثقافة التبعية. مع ذلك، فالتحويلات النقدية أبعد ما تكون عن تثبيط همم الأشخاص عن العمل، بل إنها تمنحهم متنفساً مالياً يزيل الكثير من القيود المفروضة التي تحول دون مشاركتهم في سوق العمل، مثل تكاليف المواصلات والحاجة إلى قضاء وقت بغية جمع ما يكفي من الغذاء لسد رمقهم.
الخرافة الثالثة: سينفقونها على السجائر والكحول
في بعض الأحيان، يُنظر إلى المستفيدين من التحويلات النقدية بالطريقة ذاتها التي يُنظر بها إلى الفائزين باليانصيب، على افتراض أنهم سوف يهدرونها فوراً على شراء الرفاهيات.
ولكن الأغلبية الساحقة من الأدلة تبين أن الأشخاص يستخدمون المعونة النقدية بحكمة، حيث يزداد الإنفاق على الغذاء وشراء الأصول الإنتاجية، كتلك الخاصة بالزراعة على سبيل المثال،.
ويرى أنصار برامج التحويلات النقدية أن أفضل طريقة لمساعدة الفئات الفقيرة والضعيفة هي عبر السماح لهم بتحديد ما يحتاجون إليه، بدلاً من النُهج الأبوية التي تحدد لهم الاحتياجات مسبقاً.
وإضافة إلى ما سبق، تعتبر النقود وسيلة أكثر دينامية في الاستجابة للاحتياجات المتغيّرة. ذلك أن إعطاء الناس سلع، مثل أكياس الدقيق والأرز، على سبيل المثال، ينطوي على عملية إعادة تقييم مستمرة لمدى الحاجة إلى تلك العناصر على الأخرى.
الخرافة الرابعة: ينبغي تقديم النقود في حالات الطوارئ فقط
تقول إحدى الحجج المعارضة للتحويلات النقدية أن الحالة الوحيدة التي يُبرر فيها استخدام التحويلات النقدية هي عندما تكون هناك مسألة حياة أو موت، مثل وقوع تسونامي أو حالة حرب. ويوجه أصحاب هذه الحجج الانتقادات نفسها للمعونة الخارجية بشكل عام، حيث يرون أن الأشخاص الذين لا يكون فقرهم ناجماً عن أحداث كارثية أقل استحقاقاً.
وإذا نحينا جانباً مسألة من هم الفقراء 'المستحقون'، ليس هناك سبب يجعلنا نرى التحويلات النقدية مناسبة في حالات الطوارئ فقط دون غيرها. ففي الواقع، بدأت برامج التحويلات النقدية في فترة التسعينيات من القرن الماضي في أمريكا اللاتينية كوسيلة للتصدي للفقر بجميع أشكاله، وفي الوقت الحاضر، تستخدم معظم برامج التحويلات النقدية على نطاق واسع وعلى المدى الطويل.
وعلى الرغم من أن استخدام التحويلات النقدية في الإغاثة في حالات الطوارئ يُعد تطوراً حديثاً نسبياً، إلا أنه أثبت أنه بمثابة شريان الحياة في الصومال، على سبيل المثال، حيث ساعد أكثر من 1.5 مليون شخص في البقاء على قيد الحياة والتعافي من المجاعة.
الخرافة الخامسة: تهدر أموال دافعي الضرائب البريطانيين
على الرغم من أنه يمكن تأجيل المناقشة بشأن عما إذا كان من الأفضل إنفاق المعونة الخارجية على الداخل لوقت آخر، إلا أن الأغلبية الساحقة من الأدلة تشير إلى أنه ينبغي النظر إلى التحويلات النقدية على أنها واحدة من أفضل أشكال المعونة. وقد أظهرت مئات الدراسات أن التحويلات النقدية أكثر فعالية وتأثيراً من بدائلها.
ولكن منح النقود وحدها لا يكفي لتحقيق الإمكانات الإيجابية لبرامج التحويلات النقدية، ذلك أنه يجب أن تسمح الظروف، التي يمكن أن ينفق فيها الأشخاص هذه المساعدات النقدية، بالاختيار الحر والفرص العادلة، وهذا ما يركز عليه الاستثمار في مثل هذه البرامج، لتحسين المساءلة، على سبيل المثال.
وهكذا، هناك مبررات واضحة لاستخدام المعونة البريطانية لتمويل برامج التحويلات النقدية مثل برنامج بنظير لدعم الإيرادات في باكستان. وينبغي الاستثمار في إنشاء نظام قوي وفعال بحيث يصبح مستداماً على المدى الطويل، ومن ثم يقود في نهاية المطاف إلى الاستغناء عن المساهمات الخارجية تماماً.
وختاماً، لا تشكل التحويلات النقدية سوى قرابة خمسة أو ستة بالمائة من جميع المساعدات الإنسانية. ونظراً للفوائد التي أثبتتها التحويلات النقدية في الحد من الفقر والتعليم والصحة وتمكين المرأة، ينبغي إعطاؤها مزيداً من الفرص، وليس وقفها لدوافع سياسية.
(الصورة الرئيسية: لاجئون سوريون في الأردن يحصلون على مدفوعات نقدية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عبر مسح قزحية العين: تصوير: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)
gs/ks/ag-kab/dvh