عندما ضرب إعصار بوفا جزيرة مينداناو الفلبينية خلال العام الماضي، عرضت وسائل الإعلام الكثير من التكهنات حول التأثير المتزايد لتغير المناخ. وإعصار بوفا هو من أقوى العواصف التي هزت غرب المحيط الهادئ في الذاكرة الحديثة.
لكن العلم ما زال غير متأكد ما إذا كانت الغازات الدفيئة التي تؤثر على حرارة الغلاف الجوي قد تسببت في تغير ملحوظ في نشاط الأعاصير.
وقد ذكرت لجنة الأعاصير التابعة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ /المنظمة العالمية للأرصاد الجوية هذا الموضوع في تقييم جديد يركز على حوض شمال غرب المحيط الهادئ.
ويُعتبر نشاط الأعاصير المدارية في هذه المنطقة الأكثر قوةً مقارنةً مع أي حوض آخر في العالم. ويوفر نشاط الأعاصير نحو 11 بالمائة من إجمالي كمية المطر في ذلك الجزء من الحوض، وقد أحدثت العواصف - التي تعرف باسم الأعاصير في هذا الجزء من العالم - أضراراً كبيرة وحالات وفاة عديدة.
وتتألف لجنة الأعاصير التي أطلقت التقييم حالياً من 14 عضواً: كمبوديا والصين وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وهونغ كونغ والصين واليابان وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية وماكاو والصين وماليزيا والفلبين وجمهورية كوريا وسنغافورة وتايلاند وجمهورية فيتنام الاشتراكية والولايات المتحدة الأمريكية.
وتتماشى النتائج التي توصلوا إليها مع التقرير الخاص الذي أجراه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ حول إدارة مخاطر الظواهر المتطرفة والكوارث للنهوض بعملية التكيف مع تغير المناخ. وقال العلماء الذين هم على دراية بتقرير إدارة مخاطر أن الباحثين غير متأكدين من كيفية تغير الأعاصير المدارية منذ عصور ما قبل الصناعة، وذلك بسبب نقص البيانات، ونوعية البيانات القديمة المشكوك بها، وبسبب الفهم المحدود للروابط بين تغير المناخ العالمي ونشاط الأعاصير المدارية .
كما لم يكن التقييم الذي أجرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في عام 2010 حاسماً بشأن هذا الارتباط.
وينقسم المجتمع العلمي حالياً بين بعض الذين يعتقدون أن تغير المناخ البشري المنشأ قد ظهرت آثاره على نشاط الأعاصير المدارية، وغيرهم ممن يرون في التغييرات الملحوظة في قوة الإعصار، وتردداته ومساراته عنصراً جديداً بالنسبة للتغيرات الطبيعية. وتعكس لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وتقرير إدارة مخاطر الظواهر المتطرفة والكوارث للنهوض بعملية التكيف مع تغير المناخ الصادر عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ وجهة النظر التي تقول أن نقص البيانات يمنع من اتخاذ أي موقف حاسم.
مع ذلك، تحضّر معظم المجموعات التي نشرت أوراق مناقشة حول هذا الموضوع، لإقامة مشاريع بشأن التأثير المستقبلي المتزايد لتغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية على الأعاصير المدارية، بما في ذلك زيادة متوسط الكثافة وانخفاض الوتيرة العالمية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات هطول الأمطار الناجمة عن الأعاصير المدارية.
البيانات التاريخية
وقال لتز-تشيونغ لي، من مرصد هونغ كونغ وأحد محرري التقرير الجديد الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ/المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن البيانات الموثوقة حول الأعاصير المدارية متوفرة فقط منذ خمسينيات القرن الماضي. وهذا يترك فترة قصيرة نسبياً لاستخلاص النتائج، لاسيما عندما يكون هناك تغير كبير في نشاط الأعاصير في شمال غرب المحيط الهادئ من عقد إلى آخر.
من جهة أخرى، أوضح توماس كنوتسون، وهو متخصص أمريكي في مجال الأعاصير وأحد محرري التقييم الجديد، أنه "في منتصف سيتينيات القرن الماضي بدأنا نتمكن من رؤية الأعاصير المدارية من خلال الأقمار الصناعية، وبالتالي أصبح بإمكاننا مراقبة مساحات واسعة من المحيط لتأكد من وجود الأعاصير. قبل ذلك، ولاسيما قبل اكتشاف طائرة الاستطلاع في بداية أربعينيات القرن الماضي، كانت السجلات التاريخية تعتمد في الغالب على تلاقي الأعاصير المدارية مع السفن في البحر صدفةً للكشف عن وجود الأعاصير المدارية - وخاصة تلك التي لم تصل إلى اليابسة".
وأضاف كنوتسون، مصمم نماذج المناخ الذي يعمل مع الإدارة الأمريكية الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، أن ممارسات مراقبة الأعاصير "قد تغيرت كثيراً مع مرور الوقت، فإذا لاحظنا هذا السلوك الذي يشبه اتجاهاً معيناً، من الصعب أن نعرف ما إذا كان تأثيراً حقيقياً لتغير المناخ أو ناجماً فقط عن مشاكل في تغيير أنظمة المراقبة مع مرور الوقت. "
وكجزء من الدراسة، طلب الباحثون من بعض البلدان في حوض شمال غرب المحيط الهادئ توفير بيانات تاريخية حول الأعاصير المدارية التي وصلت إلى اليابسة.
وتابع كنوتسون قائلاً: "تقييمنا لتلك المعلومات دفعنا مجدداً إلى الاستنتاج بأنه ليس هناك أي إشارة واضحة إلى أي تغير بشري المنشأ في المناخ وفقاً لبيانات الأعاصير المدارية حتى الآن".
وبعد قضاء سنتين على مراجعة دراسات جديدة، وجد التقييم اختلافات كبيرة في نشاط الأعاصير من سنة إلى أخرى وكذلك من عقد إلى آخر. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال لي أن الأسباب معقدة ويمكن أن تشمل تأثير تغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية والعوامل الطبيعية مثل النينيو / النينيا. كما ودعا التقييم إلى مزيد من الدراسات.
تغييرات جارية؟
الصورة: كارل أنطوني إيبول /الصليب الأحمر الفلبيني |
خلّف إعصار بوفا وراءه دماراً هائلاً |
من جهته، قال كنوتسون أن التوقعات الحالية على المدى القصير للأعاصير المدارية هي الوسيلة الفضلى لتوقع مسارات العواصف بدلاً من حدتها. "تبدو حدة العواصف مشكلة أكثر صرامة ويجب معالجتها، حتى بمساعدة أفضل نماذج التوقع التي تستخدم الحواسيب".
وتابع لي قائلاً أن إعصار بوفا، في رأيه، كان ظاهرة متطرفة خلال هذا العام. "خلال دراسة تأثير تغير المناخ، عادةً ما نشير إلى تغيرات في المناخ (متوسط حال الطقس) على مدى فترة من الزمن، كالعقود أو القرون. أما بالنسبة إلى الأحداث المتطرفة مثل بوفا، فالأمر سيتطلب المزيد من التحليل ونماذج المحاكاة لتأكيد المساهمة النسبية لتغير المناخ البشري المنشأ في إتاحة الفرصة لحدوث هذه الظاهرة المتطرفة.
"مع ذلك، ووفقاً لتوقعات توصّلنا إليها من خلال عدد من الدراسات على خلفية تغير المناخ العالمي، من المرجح أن ترتفع إمكانية حصول أعاصير مدارية أكثر حدة وتحمل المزيد من الأمطار خلال القرن الحادي والعشرين".
وقال كنوتسون أن وجهات نظر لي حول بوفا تتناسق مع وجهات نظره. وعندما سُئل عن كيفية تأكد العلماء من تأثير الانبعاثات في المستقبل، نظراً لأنهم غير متأكدين حول تأثير الانبعاثات الماضية، قال: "إن المستوى المتواضع نسبياً للاحتمال الذي نربطه أنا ولي بهذه التوقعات يعكس، في جزء منه، حقيقة أنه لم يتم اكتشاف تغيير كهذا حتى الآن في سجل الأعاصير الاستوائية... يصعب كشف تغير الشدة الناجم عن تغير المناخ الذي نشير إليه في هذه المرحلة، حتى ولو كان لدينا 60 عاماً من الشدة التي تشير إليها البيانات في شمال غرب المحيط الهادئ، علماً أنه ليس لدينا بيانات كهذه".
jk/rz-bb/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions