أجلت الحكومة الكينية إغلاق مخيم داداب للاجئين لمدة ستة أشهر، ولكن التأجيل لا يلغي القرار النهائي بإعادة 261,000 لاجئ صومالي إلى وطنهم، على الرغم من الاحتجاجات الصاخبة من جانب منظمات حقوق الإنسان.
يبدو أن المجتمع الدولي قد يأس من البحث عن بديل لإغلاق داداب، على الرغم من أن العودة الجماعية التي وعدت بها كينيا، والتي من المقرر أن تبدأ في غضون أربعة أشهر فقط، من المرجح أن تولد أزمة إنسانية.
وقد تباطأت الجهات المانحة أيضاً في توفير التمويل الموعود للصومال بغرض المساعدة في تحسين ظروف العودة إلى بلد يكافح بالفعل لتلبية احتياجات 1.1 مليون نازح داخلياً.
وقال جوزيف نكايسري، وزير الداخلية، في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء الماضي أن انعدام الأمن في الصومال والانتخابات المقبلة في البلاد تخلق "وضعاً حساساً"، الأمر الذي يتطلب تمديداً للمهلة التي منحتها الحكومة، والتي تنتهي في نهاية نوفمبر الجاري.
"مع ذلك، سوف تستمر العودة الطوعية الحالية دون انقطاع،" كما أضاف، في إشارة إلى برنامج حالي تيسره مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها من المنظمات غير الحكومية.
وعلى مدار الأشهر الستة المقبلة، تخطط الحكومة للتحقق من عدد اللاجئين في داداب ونقل غير الصوماليين إلى مخيمات أخرى في البلاد. وأوضح بيان حكومي أن الحكومة سوف تستكمل إعادة جميع اللاجئين الصوماليين إلى الصومال في الشهرين الرابع والخامس من فترة التمديد، "بطريقة إنسانية وآمنة وكريمة".
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت لاتيشيا بيدر، الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش أن "هذا لا يغير أي شيء حقاً".
وأضافت قائلة: "طالما أن كينيا ترفض منح اللاجئين الصوماليين وضعاً قانونياً آمناً وتهدد بإغلاق المخيمات وترحيلهم، سوف يشعر اللاجئون بأن ليس لديهم خيار سوى العودة إلى ديارهم بعد الحصول على الدعم النقدي الذي تقدمه الأمم المتحدة للعائدين بدلاً من إجبارهم على الخروج بلا شيء على الإطلاق".
"إن تمديد الموعد النهائي لإغلاق مخيم داداب أفضل من ترحيل اللاجئين في غضون أسبوعين. ولكن في مواجهة الموعد النهائي الجديد، وهو 31 مايو، سوف يستمر اللاجئون الصوماليون في الشعور بأنهم مضطرون للرحيل،" كما أفادت.
خيارات سيئة
وتشير جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان إلى أنه حتى قبل الانتخابات المقررة في نهاية هذا العام، لم تكن الصومال دولة آمنة من حيث العودة إليها، كما أنها لا تملك البنية التحتية للخدمات العامة اللازمة للتكيف مع تدفق اللاجئين من مخيم داداب.
وفي توبيخ مستتر لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قالت منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته يوم الثلاثاء أن "الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية التي تقوم بتسهيل عملية العودة من داداب إلى الصومال قصّرت إلى حد كبير في إبلاغ اللاجئين عن المخاطر المرتبطة بالنزاع المسلح في الصومال".
وفي السياق نفسه، قالت خير النساء داله، إحدى كُتّاب التقرير، لشبكة الأنباء الإنسانية أن إلغاء الحكومة الكينية لحق اللاجئين الصوماليين الظاهر في البقاء في كينيا، والضغوط التي مورست على اللاجئين للمغادرة - بما في ذلك تخفيض الحصص الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي - يعني أن "برنامج العودة ليس طوعياً وأنه في الواقع إجباري".
حزم الأمتعة
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 19,000 لاجئ قد عادوا إلى ديارهم منذ ديسمبر 2014 في إطار برنامج المساعدة.
ووفقاً لاستطلاع للرأي أجرته الحكومة الكينية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في شهري يوليو وأغسطس، كان 25 بالمائة فقط من اللاجئين على استعداد للعودة. مع ذلك، فإن هناك شعوراً في داداب بحتمية إغلاق المجمع البالغ من العمر 25 عاماً.
"طالما أن كينيا ترفض منح اللاجئين الصوماليين وضعاً قانونياً آمناً وتهدد بإغلاق المخيمات وترحيلهم، سوف يشعر اللاجئون بأن ليس لديهم خيار آخر"
"لقد حزمت أغراضي وأنا مستعد للعودة، على الرغم من أنني أعلم جيداً أن الصومال ليست مستقرة حتى الآن. هناك عنف والاضطهاد لا يزال مستمراً، ولا توجد مدارس جيدة على الجانب الآخر [من الحدود]. ولكن هناك الكثير من الخوف هنا في داداب من أن تجبرنا الحكومة على العودة، ولذلك أريد أن أعود عندما تكون الظروف جيدة،" كما قال عدن فرح لشبكة الأنباء الإنسانية في مخيم كامبيوس.
وهذا يعني الاستفادة من حزمة الانتقال التي تقدمها الأمم المتحدة، والتي تشمل منحة نقدية لكل فرد من أفراد الأسرة.
إنه حافز كبير، لاسيما بالنسبة للوافدين الجدد الذين يعتقدون أنهم يستطيعون استئناف حياتهم مرة أخرى بمجرد عودتهم إلى الصومال. ولكن الواقع هو أن إعادة بدء الحياة من جديد أمر بعيد كل البعد عن السهولة.
أصعب من المتصور
جاءت فطومة حميد إلى ميناء كيسمايو في جنوب الصومال في سبتمبر، بعد قضاء أكثر من 20 عاماً في داداب. وعندما التقت بها شبكة الأنباء الإنسانية خارج وكالة جوبالاند للاجئين والنازحين داخلياً، كانت توشك على البكاء.
حصلت هذه الأم لأربعة أبناء والبالغة من العمر 60 عاماً على 600 دولار في داداب ودفعت منها 500 دولار لتسديد ديونها. وعندما وصلت إلى كيسمايو، أُعطيت 300 دولار أخرى، ولكنها وجدت أن هذا المبلغ لم يكن كافياً لتغطية تكاليف الإيجار والغذاء.
ما كان مجانياً في داداب أصبح الآن له ثمن يجب دفعه، وهذا أمر يحتاج إلى بعض التعود. وهي تمشي من مخيم النازحين داخلياً إلى الوكالة مرة واحدة كل أسبوع لمعرفة ما اذا كان بمقدورهم مساعدتها.
"كنت دائماً أريد أن أعود، ولكنني لم أكن أتصور أنني سوف أعود إلى وطني في مثل هذا الوضع. كانت الحياة جيدة في المخيم. ذهب كل أطفالي الأربعة إلى المدرسة، وحصلوا جميعاً على التعليم الثانوي،" كما قالت.
ولكن في السنوات القليلة الماضية، أصبح الأمر أصعب بكثير. وأضافت أن تخفيض الحصص الغذائية في شهر أغسطس من العام الماضي لعب دوراً في قرارها بمغادرة المخيم.
ويتعاطف مها محمد نور، نائب رئيس وكالة جوبالاند للاجئين، ولكن ليس بمقدوره عمل الكثير لمساعدتها. وكانت حكومة جوبالاند قد طلبت في وقت سابق تعليق برنامج العودة لأنها تواجه ضغوطاً تفوق طاقتها بالفعل."يذهب العائدون من وزارة حكومية إلى أخرى طلباً للمساعدة. إنهم لا يستطيعون الحصول على خدمات كالتي كانوا يتمتعون بها في مخيم داداب. إذا ما جيء بالمزيد من الناس إلى كيسمايو، لن يتبقى شيء للذين جاءوا هنا من قبلهم".
انعدام الأمن
ويشكل انعدام الأمن مصدر قلق كبير آخر لأن العديد من العائدين ليسوا من كيسمايو. لكن التهديد المتمثل في الترهيب والتجنيد الإجباري من قبل حركة الشباب، التي لا تزال راسخة الجذور في الريف، يجبرهم على البقاء كنازحين في المدينة.
كانت غوراي هيفاو عبدي تمتلك متجراً وماشية في مسقط رأسها في منطقة باي الصومالية. ولكن الحرب والجفاف أجبراها على عبور الحدود إلى مخيم داداب في عام 2011.
وقد استفادت من الدورات التدريبية التي أُجريت في المخيم ووجدت عملاً لدى عدد من الوكالات العالمية التي ترعى المعاقين جسدياً وذهنياً، وهي تجربة تأمل في أن تساعدها على العثور على وظيفة في كيسمايو.
ولكن أثناء قطع الرحلة عن طريق البر من داداب إلى كيسمايو، عبر نقاط التفتيش التابعة لحركة الشباب، أدركت أن الشهادات والتوصيات كانت بمثابة عبء، ولذلك أخفت كل ما استطاعت إخفاءه في جلبابها، وتخلصت من الباقي.
"لقد كانت مخاطرة كبيرة جداً أن أحمل الشهادات عبر المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب. هذه الوثائق هي أملي الوحيد ومستقبلي،" كما قالت. ولكن على الرغم من امتلاكها لتلك الشهادات، فإنها لا تزال تبحث عن عمل.
المستضعفون
ويسلط تقرير منظمة العفو الدولية الضوء على مجموعة متنوعة من الفئات المستضعفة بين اللاجئين الذين ستكافح سلطات جوبالاند من أجل توطينهم، ومن بينهم طلاب مدارس ثانوية (في منطقة تحتوي على عدد قليل من المدارس والمعلمين) وذوي الإعاقة والاقليات العرقية مثل البانتو، الذين لا يندرجون في نظام العشائر.
وقال نور لشبكة الأنباء الإنسانية: "بعض العائدين لديهم أطفال كانوا ملتحقين بالمدارس في كينيا. وإذا لم يتمكنوا من الحصول على تعليم لأطفالهم في الصومال، فإننا نخشى أن يصبح بعض هؤلاء الأطفال مجرمين. والأسوأ من ذلك أن بعضهم قد ينضم إلى حركة الشباب وغيرها من الجماعات التي تتبنى أيديولوجيات متطرفة".
من جانبها، قالت داله أن منظمة العفو الدولية تدعو الحكومة الكينية لعدم إغلاق داداب، على المدى القصير على الأقل.
"وعلى المدى الطويل، ندعوها لتبني نُهُج أكثر استدامة تجاه للاجئين من شأنها أن تنهي سياسة المخيمات، وتتيح الحق في الاندماج في المجتمع المضيف، بما في ذلك الحق في العمل،" كما أضافت.
ولكن في الوقت الراهن، لا يبدو أن الحكومة الكينية تستمع إلى مثل هذه الدعوات.
(في ذروة أزمة القرن الأفريقي في 2011، واجه مخيم داداب تدفقاً هائلاً من اللاجئين، معظمهم من الصومال: ألصورة: المفوضية الأوروبية)
my-oa/ag-ais/dvh