بعد مرور أكثر من عام على التدخل العسكري الفرنسي لطرد الميليشيات الإسلامية من شمال مالي، يبدو أن المنطقة قد استعادت بعض الاستقرار. مع ذلك، ينتاب اللاجئين الماليين في مخيم مينتاو في بوركينا فاسو المجاورة القلق من العودة إلى الوطن بسبب المشكلات الأمنية والقضايا السياسية التي لم تحل بعد.
في الوقت ذاته، يقول اللاجئون أن تدهور أوضاع المخيمات وسوء نوعية المعيشة ترغم البعض على العودة. وتعليقاً على هذه الأوضاع، قال الماحي الحاج المحق الذي يرأس لجنة الجزء الجنوبي من مخيم مينتاو قرب مدينة جيبو، شمال بوركينا فاسو: "نحن في حالة سيئة جداً فيما يخص الغذاء والماء والصحة".
ويأوي المخيم قرابة 12,000 من اللاجئين الماليين. وقد أصبحت جيبو ملاذاً للاجئين الماليين منذ أوائل تسعينات القرن الماضي عندما تسببت حركات التمرد في شمال مالي في حدوث فترة طويلة من عدم الاستقرار والعنف. وقد تكررت موجة الهجرة ذاتها في يناير 2012 عندما دخلت مالي فى الصراع مرة أخرى، وبالتالي تم تجديد مخيم مينتاو بسرعة وإعادته إلى الخدمة حيث استقبل الموجة الأولى من الوافدين الجدد في فبراير 2012.
وأضاف المحق: "عندما كانت المواد الغذائية تنفد من أشد الناس فقراً في الماضي، كنا نجمع مساهمات لمساعدتهم. ولكن الجميع في نفس المأزق الآن وليس لدينا ما ندخره. في الماضي، كنا نرى اللاجئين يتوجهون إلى السوق في جيبو لشراء احتياجاتهم، أما الآن فلا يوجد لديهم نقود".
خلاف حول الحصص الغذائية
وإضافة إلى ما سبق، يشكو اللاجئون من أمور أخرى كنوعية الرعاية الطبية المتوفرة لهم، والوجود الأمني الأكثر تدخلاً في بعض الأحيان، والافتقار إلى وسائل الترفيه للشباب. ولكنهم يشتكون بشكل رئيسي من الحصص الغذائية، قائلين أن المخصصات الشهرية من الأرز، والزيت، ومزيج الذرة وفول الصويا، والملح والمدفوعات النقدية "الإضافية" غير كافية ومجدولة على نحو سيء.
وفي يناير 2014، وفي أعقاب مشاورات أجريت مع اللاجئين، بدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي الجمع بين الحصص الغذائية والتوزيعات النقدية. وتم تسليم اللاجئين شهرياً 3,500 فرنك الاتحاد المالي الأفريقي (ما يعادل 7 دولارات) لشراء الأصناف التي يكثر عليها الطلب مثل الحليب والتوابل واللحوم، إضافة إلى الأرز والحصص الأخرى المقدمة من برنامج الأغذية العالمي.
ولكن اللاجئين في مخيم مينتاو (وفي أماكن أخرى) يقولون أن تلك الخطة لم تنجح، مشيرين إلى أن التوزيعات النقدية التي تهدف إلى التعويض عن خفض حصص الأرز الشهرية التي كانت تصل إلى 12 كيلوغرماً إلى النصف، غير كافية. وأكد المحق ذلك قائلاً: "ما نحصل عليه لا يكفي".
من جهته، قال محمد الحاج محمد إبراهيم، نائب رئيس لجنة الجزء الجنوبي في مخيم مينتاو: "عندما تسمع عن عودة اللاجئين إلى مالي، فهذا ليس لأنهم يشعرون بالأمان الكافي للعودة، وإنما بسبب الجوع".
مخاوف من انعدام الأمن
وعلى الرغم من عقد انتخابات عام 2013 التي وضعت نهاية لفترة الحكومة الانتقالية التي تولت مقاليد السلطة في مالي في فترة ما بعد الانقلاب وتم بموجبها انتخاب رئيس وبرلمان جديدين، إلا أن سكان مينتاو لا زالوا خائفين، إذ لا تزال الهجمات والكمائن مستمرة من حين لآخر في المدن الشمالية الرئيسية مثل تمبكتو وغاو وكيدال. كما يتحدث اللاجئون باستخفاف عن عملية سلام قوية في ظاهرها، لكن دون أي حوار حقيقي بين الحكومة وحركة الطوارق الانفصالية، الحركة الوطنية لتحرير ازواد.
وقال دواد الحاج غالي، أحد سكان مينتاو: "لا شيء يسير على الطريق الصحيح ... لم تسفر أياً من الاجتماعات بين مختلف الأطراف [الحكومة والحركات المتمردة] عن أي شيء". مع ذلك، عاد بعض اللاجئين والنازحين داخلياً إلى وطنهم وتحملوا التحديات التي تواجه استئناف حياتهم، بدعم من الحكومة المالية.
ويقول آخرون في مينتاو أن المخيم سيشهد هجرة جماعية في غضون شهر إذا لم تتحسن الأوضاع بغض النظر عن المخاوف الأمنية في أرض الوطن.
من جهته، قال المحق: "نرى الناس يجمعون المساهمات ...سوف يجمعون ما يكفي من المال معاً ويستقلون شاحنة ويغادرون ذلك لأن كثيرين منهم يريدون ببساطة رعاية الماشية التي تركوها مع أصدقائهم".
وأشار إبراهيم إلى أن "الأمر قد وصل إلى حد قيام الناس هنا ببيع الحصر التي ينامون عليها من أجل الحصول على بعض الأموال الإضافية...نحن رعاة ولكننا نعيش من دون ماشيتنا. هذا هو الفقر".
وتؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن العودة التلقائية هي حق أساسي للاجئين وأنها لا تعارض ذلك، لكنها حريصة على تعقب العائدين ومعرفة أحوالهم. ويعترف مسؤولو الإغاثة وشؤون اللاجئين بأن بعض الماليين يعبرون ويعودون مرة أخرى.
العودة الجماعية... ليس الآن
ومهما كانت التحسينات في شمال مالي-من حيث انخفاض عدد الحوادث الأمنية، وتوسيع نطاق وجود الأمم المتحدة، والعودة التدريجية لإدارة الدولة – إلا أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أوضحت بجلاء أن العودة الجماعية لم تكن خياراً لعام 2014. وقالت أن "الوضع في مالي سيظل هشاً ولا يسمح حتى الآن بالعودة بأعداد كبيرة".
ووفقاً للمفوضية واللجنة الوطنية للاجئين، التابعة لحكومة بوركينا فاسو، فقد انخفضت أعداد اللاجئين بشكل ملحوظ، من ذروتها التي بلغت ما يقرب من 50,000 في عام 2012 إلى أقل من 34,000 في فبراير 2014. وتشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين الماليين في بوركينا فاسو سينخفض إلى نحو 14,300 شخص بنهاية عام 2015.
وقالت أنجيليه دجوهوسو، نائب ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بوركينا فاسو، أنه يجب التوقيع على اتفاق ثلاثي بين حكومتي بوركينا فاسو ومالي والمفوضية قبل أن يتم البدء في تنفيذ أي برنامج جدي لإعادة اللاجئين.
وهناك اعتراف قاس من كل من المفوضية والجهات الشريكة بأن مستوى الخدمات في مخيم مينتاو والمخيمات الأخرى يواجه شبح تقليص الميزانيات وغياب الاهتمام من جانب المانحين، الأمر الذي يعمق شعور اللاجئين بالتخلي عنهم.
والجدير بالذكر أن ميزانية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للعمليات المتعلقة باللاجئين في بوركينا فاسو في عام 2014 بلغت 25.7 مليون فقط مقارنة بنحو 32.8 مليون دولار في عام 2013 بسبب العودة المتوقعة لـنحو 5,000 لاجئ. وأفادت دجوهوسو أن التمويل المخصص لمالي في عام 2013 كان أقل بنسبة 50 بالمائة عما كان ينبغي، وأن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تواجه قيوداً مماثلة في عام 2014.
وتنقسم الميزانية إلى 30 قسماً مختلفاً، تغطي كل شيء من توفير المياه إلى تعبئة المانحين. وتعطى الأولوية في تخصيص التمويل لبعض المجالات، بما في ذلك حماية الأطفال والتعليم، ولكن هناك مجالات أخرى يتوقع أن تواجه عجزاً في التمويل. فعلى سبيل المثال، أوضحت دجوهوسو أن قيود التمويل قد أضعفت مساعي المفوضية الرامية لرصد 25 بالمائة من اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات الرئيسية على النحو الفعال الذي تنشده.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول رفيع المستوى في منظمة غير حكومية في مينتاو لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، طلب عدم الكشف عن هويته: "يجب أن تصل الرسالة إلى الجهات المانحة...نرى الكثير من البعثات التي تأتي إلى هنا، وهو أمر مشجع بالنسبة لنا وللاجئين، ولكن الجهات المانحة بحاجة إلى أن تدرك أنه لم يتغير شيء هنا. إذا لم يتوفر التمويل، فماذا سيأكل اللاجئون؟"
وأضاف قائلاً: "إذا اضطر بعض اللاجئين لدفع تكاليف العلاج في المستشفى، من أين لهم أن يأتوا بالمال؟ وإذا كانوا بحاجة إلى الماء، فمن أين سيحصلون عليه؟"
cs/ob/cb-kab/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions