لا تزال بقايا ممزقة من ملصق حكومي لحملة مكافحة شلل الأطفال التي أجريت في عام 2012 واضحة على باب بيت ساجدة بيبي، مما يعطي انطباعاً للمارة أن سنوات من حملات التطعيم قد وصلت إلى نهايتها. فقد قدمت بيبي لقاحات ضد هذا المرض للأطفال لأكثر من اثني عشر عاماً من خلال عملها كجزء من الفرق الصحية الحكومية، ولكن هذا العام تغيرت الأمور.
فقد عرقلت الهجمات التي وقعت على فرق التطعيم، وتهديدات المتشددين واختطاف المدرسين الذي كانوا يقومون بتسهيل أعمال الحملة في نوفمبر 2013 هذه الجهود مما استدعى وضع استراتيجية جديدة.
وقالت ساجدة بيبي، التي تبلغ من العمر 55 عاماً لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "أنا أعرف أن التطعيم ضد شلل الأطفال خطير. كان زوجي متردداً في السماح لابنتنا [التي بدأت لتوها في العمل معها] للانضمام إلى الفرق التي تعمل على الأرض، ولكن هذا العمل مهم. أعرف ذلك لأن شقيقتي أصيبت بالإعاقة نتيجة لشلل الأطفال قبل أكثر من 45 عاماً".
وفي إطار الاستراتيجية الجديدة، تم إلغاء 'أيام التطعيم الوطنية' ذات التغطية الإعلامية الواسعة والتي كان من المخطط أن تنفّذ في جميع أنحاء البلاد، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ومصادر في وزارة الصحة. وقد أجري برنامج التطعيم الأخير، الذي تم تنظيمه على مدى ثلاثة أيام من 18 إلى 20 نوفمبر في ولاية خيبر بختون خوا، ورافقته حملة دعائية أقل بكثير من ذي قبل.
ويعني ذلك وضع حد للحملات التي شهدتها البلاد في الماضي، وغالباً ما تصدرتها شخصيات وطنية شهيرة رفيعة المستوى مثل لاعب الكريكيت شهيد أفريدي. فبإمكان هؤلاء المشاهير جذب كاميرات التلفزيون لمسيرات مكافحة شلل الأطفال الرئيسية التي ضمت شخصيات سياسية هامة أطلقت حملات مكافحة شلل الأطفال باحتفاليات كبيرة. وبذلك سيكون "المظهر الجديد" لحملات التطعيم أكثر بساطة.
وقال عظمت عباس، مسؤول الاتصال في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) متحدثاً لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "في أعقاب الهجمات التي وقعت على العاملين في حملة شلل الأطفال في ديسمبر 2012، وبناءً على توصيات الحكومة، تم تحويل حملات شلل الأطفال من التغطية الدعائية الواسعة إلى التغطية المنخفضة. هذا هو نهجنا الجديد".
"يقع الآن قرار مستوى الترويج للحملة على عاتق الحكومات المحلية، التي هي مسؤولة أيضاً عن أمن الأفراد الذين يقومون بحملة التطعيم ضد شلل الأطفال. أما على المستوى الوطني، فلا يتم الإعلان علناً عن مواعيد حملة شلل الأطفال ويتم التركيز بدلاً من ذلك على نشر الوعي حول هذا المرض الذي يمكن الوقاية منه من خلال التطعيم. وقد طلبت الحكومة الاتحادية من كافة المناطق ضمان أمن العاملين في حملات مكافحة شلل الأطفال، والذي لا يزال مصدر قلق كبير".
وقد قامت باكستان بجهود كبيرة في مجال التطعيم في أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، مما أدى إلى التقدم بخطوات هامة في المعركة ضد المرض، وفقاً لمنظمات المراقبة المحلية.
ففي عام 1997 أبلغت باكستان عن 1,147 حالة إصابة بشلل الأطفال، مقارنة بـ 58 حالة في عام 2012 و 72 حالة في عام 2013 (حتى 4 ديسمبر)، لكنها لا تزال واحدة من ثلاث دول يستوطن فيها مرض شلل الأطفال.
ولا يتعلق تغيير التوجه في حملات مكافحة شلل الأطفال فقط بالأمن، إذ يشعر بعض مسؤولي الصحة أيضاً بالقلق من أن الحملات الوطنية قد بدأت تفقد تأثيرها. وقال الدكتور قاسم خان، مسؤول الصحة في منطقة مردان في ولاية خيبر بختون خوا جنوب غرب البلاد: "يشعر الناس بالإرهاق من حملات التطعيم المتكررة ضد شلل الأطفال. نحن بحاجة إلى تغيير الاستراتيجية، وخلق الوعي بين الآباء والأمهات".
فخلال حملة مكافحة شلل الأطفال في نوفمبر في ولاية خيبر بختون خوا، رفض 5,694 من الآباء في مردان السماح لأبنائهم في الحصول على التطعيم، وهو أعلى معدل من معدلات "الرفض" التي سجلت في منطقة محلية. وأضاف قائلاً: "ولكن هذا الرقم يشكل تحسناً عن تلك الأرقام التي سجلت في الماضي". وكعدد كلي، كان هناك 22,175 حالة رفض في ولاية خيبر بختون خوا خلال الحملة الأخيرة، وفقاً لبيانات رسمية.
وأخبر السكان شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه في بعض الحالات، أدت الحملات الدعائية المنخفضة المستوى إلى تشكل مشاعر سلبية أقل داخل الأسر حول ما إذا كانت ستسمح بتطعيم الأطفال أم لا. فمن دون الصخب الذي يصاحب عادة الحملات الوطنية ضد شلل الأطفال، هناك مقاومة أقل من قبل الرجال داخل العائلة، والذين غالباً ما يستجيبون للحملات بمنع زوجاتهم وأطفالهم من المشاركة.
وقالت قدسية أنه في كثير من الحالات، كانت هناك مزاعم بأن قطرات شلل الأطفال تسبب العقم. وهذا التصور الخاطئ منتشر على نطاق واسع، على الرغم من محاولة علماء الدين المسلمين تبديد هذه الفكرة.
وتابعت قدسية قائلة: "هذه الطريقة الجديدة الهادئة تسمح للنساء مثلي بأن يقررن، بدلاً من ترك القرار في أيدي الرجال".
ولكن هناك حنين للحملات الوطنية السابقة، حيث قالت ساجدة بيبي: "افتقد الإثارة والحماس من الحملات السابقة، عندما كنا نخرج جميعاً، ونقوم بلصق الملصقات الجدارية وسماع الإعلانات بخصوص اليوم الوطني لمكافحة شلل الأطفال من خلال الإذاعة والتلفزيون. ولكن بالنظر إلى كل ما حدث، أعتقد أن زيارة البيوت بهدوء، والتحدث إلى الآباء والأمهات والأطفال وإعطائهم بضع قطرات من دون الكثير من الدعاية قد يكون النهج الأفضل".
ويشاركها الرأي عالم الدين الإسلامي مولانا إسماعيل الدين الذي يؤم المصلين في مسجد الجامعة (المسجد الجامع) في بيشاور. وقال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لا يوجد شيء في ديننا يحرم هذه اللقاحات. ولكن نظراً للبيئة التي نشأت، أعتقد أنه سيكون أكثر عقلانية تجنب إحداث ضجة كبيرة بخصوص التطعيم وتهييج المتطرفين الذين يمكن أن يسببوا الأذى للعاملين الصحيين أو غيرهم. من المنطقي أن يبقى الموضوع أكثر هدوءاً وأن يتم التعامل معه بطريقة واقعية".
kh/jj/he-aha/dvh
"