كان المتصل زميل سابق ينتمي إلى طائفة العرب السنّة وأخبر الآشوري المسيحي أنه يقف داخل شقة أسرته ويستعد لنهبها.
وقال الرجل البالغ من العمر 55 عاماً بغضب: "لن أعود طالما أن السنّة موجودون هناك. عندما أراهم، سيكون الأمر وكأنهم يطعنوني في معدتي. لقد خانونا جميعاً، ولا يمكن أن نثق بأي منهم".
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، روت هدى صالح ماركي، التي تنتمي إلى جماعة دينية يزيدية من كوتشا، التي تقع في محافظة نينوى أيضاً، كيف اختطفها تنظيم الدولة الإسلامية وأجبرها على العمل كخادمة لأحد مسلحي التنظيم في الموصل لعدة أشهر، قبل أن يتم بيعها مقابل فدية.
وأضافت أن "اليزيديين لن يكونوا آمنين هنا في المستقبل، ولا يستطيعون البقاء في العراق، والأفضل لهم أن يهاجروا إلى بلد ليس به مسلمون".
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الأقليات العراقية التي فرت من البلدات والقرى المحيطة بمدينة الموصل في شمال العراق في الصيف الماضي عندما وصل تنظيم الدولة الإسلامية يعتبرون العرب السنّة - من بينهم جيرانهم وزملاء عملهم السابقين - متعاطفين مع تلك الجماعة المتطرفة، وفي بعض الحالات، أنصارها المباشرين.
والآن، تحذر المنظمات غير الحكومية من أنه مع تحرير أجزاء من العراق من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، تطرأ مخاطر جديدة من تفجر العنف بين النازحين داخلياً الذين بدؤوا في العودة إلى ديارهم.
"لا يزال احتمال تجدد الصراع مرتفعاً بشكل ينذر بالخطر،" كما أشارت منظمة باكس غير الحكومية الهولندية (PAX) في تقرير نشرته الشهر الماضي ويدعو السلطات العراقية والمجتمع الدولي لتقديم مبادرات بناء السلام وحل النزاعات لأن العمليات العسكرية لا تكفي بمفردها.
التوترات الطويلة الأجل
ولكن كما يشير تقرير منظمة باكس، في حين أن تظيم الدولة الإسلامية كان مسؤولاً عن نزوح أكثر من ثلاثة ملايين عراقي منذ شهر يناير من العام الماضي، فإن التوترات في نينوى - التي تقع في جزء من الحدود المتنازع عليها بين إقليم كردستان المتمتع بحكم شبه ذاتي وبقية العراق - بدأت قبل وصول تلك الجماعة المسلحة بفترة طويلة.
فقد كانت تلك المنطقة في السابق هدفاً لسياسات التعريب التي اتبعها صدام حسين - والتي تم تطبيقها أيضاً في محافظة كركوك المتنازع عليها - والتي بموجبها تم نقل قبائل عربية لتغيير التكوين الديمغرافي لمناطق معينة.
وكان الخليط العرقي في نينوى أيضاً في مرمى بصر الحكومة الشيعية في بغداد بعد عام 2003، وكذلك حكومة إقليم كردستان (KRG)، التي تحاول بسط نفوذها وحشد الدعم من أجل الاستقلال عن بقية العراق.
"هذه قضايا قديمة جداً ويرجع تاريخها إلى بداية تشكيل الدولة العراقية،" كما أوضح هيوا حاجي خضر، وهو محاضر في جامعة صلاح الدين في أربيل، والباحث الرئيسي في تقرير منظمة باكس.
وأضاف أن "كل من حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية حاولتا جاهدتين تنفيذ أجنداتهما الخاصة في هذه المناطق، واستُخدمت هذه الجماعات المختلفة كأدوات لدفع تلك الأجندات".
وأعطى خضر مثالاً بمجموعة التركيز التي كونها لإعداد تقرير منظمة باكس، وذكر أن بعض الناس اشتكوا من أن طائفة الشبك الشيعية حصلت على مميزات إضافية من قبل الحكومة التي يقودها الشيعة ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي في صورة وظائف أفضل.
وأشار إلى بناء الكثير من المساجد الشيعية الجديدة في المنطقة، مما أغضب المجتمع المسيحي المحلي. علاوة على ذلك، كان هناك تصور لدى العديد من الأقليات في نينوى بأن حكومة بغداد - وقواتها المسلحة - قد تخلت عنهم وتركتهم فريسة في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، كما قال.
وقد بدأت بعض الجماعات في نينوى في تشكيل وحدات عسكرية خاصة بها، وعلى الرغم من أن ميليشيات الحشد الشعبي هذه تحظى بدعم محلي كبير، فإن هناك مخاوف من أنها إذا لم تُدار بعناية، فإنها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من العنف وتأجيج التوترات المجتمعية.
وفي هذا الإطار، قال خضر: "رسمياً، تخضع هذه الوحدات لإشراف وزارة البيشمركة، ولكن بطبيعة الحال، بمجرد وضع الأسلحة في أيدي المجتمع، فإن هذا يعطيهم القدرة على العمل بشكل منفرد في تلك المناطق".
جهود بناء السلام
ونظراً لتفهمها لهذه التوترات المتزايدة - وتحدي المجتمعات التي تتطلع الآن للعودة إلى نينوى قبل تحرير الموصل المخطط له - اجتمعت مجموعة تضم أكثر من 20 منظمة غير حكومية دولية ومحلية في أربيل الشهر الماضي لمناقشة الاستراتيجيات والأساليب المختلفة لبناء السلام.
وقال ماركو لابرونا، رئيس بعثة المنظمة غير الحكومية الإيطالية (UPP)، التي عقدت الاجتماع الذي استمر لمدة يومين، أن التوترات تتزايد بين الطوائف المختلفة والعلاقات والتفاعل تركز بشكل متزايد على "الاختلاف" و "الصراع".
لكنه قال أنه متفاءل بالأدلة على أن الشباب النازحين من نينوى كانوا من بين أعلى الأصوات الداعية إلى مبادرات حوار أكثر انفتاحاً والتفاعل بين الطوائف وبناء السلام.
وأكد أن الخطوة التالية هي التنسيق بين مختلف المنظمات غير الحكومية "لخلق عملية بناء سلام متماسكة ومتسقة في البلاد".
وشدد أيضاً على أن العراقيين أنفسهم يجب أن يؤمنوا بهذه العملية، بدلاً من تركها تحت قيادة المنظمات الدولية: "لا يجب على المنظمات الدولية إملاء ما هو مطلوب".
وقد قدم تقرير منظمة باكس عدداً من التوصيات، من بينها: حل مشكلة الحدود الداخلية المتنازع عليها؛ والإدارة الشاملة والأمن لجميع العراقيين؛ ونزع السلاح من الجماعات المسلحة الشعبية وغير التابعة للدولة؛ وتشكيل نظام فعال للعدالة الانتقالية.
لكن التحديات هائلة. وفي هذا الصدد، قال خضر: "هذا ليس صراعاً بين طائفتين، بل هو صراع الجميع ضد الجميع. إنه صراع متعدد الأبعاد للغاية ومعقد ... وهناك العديد من اللاعبين والمصادر ... السياسة والسلطة والدين والأيديولوجيا والفرص الاقتصادية".
fn/lr/am-ais/dvh