ولكن النزوح هذه المرة أسوأ من أي وقت مضى، إذ يجد زوجها صعوبة في المشي بعد أن أصيب بنوبة قلبية بعد وقت قصير من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في عام 2012، كما تم تشخيص أم مصطفى مؤخراً بأنها مصابة بمرض السرطان.
لكن بعد عودة الدمار إلى مسقط رأسها في بلدة بيت لاهيا قبل عشرة أيام، اضطرت الأسرة لحزم أمتعتها مرة أخرى. "كلما شُنت حرب على غزة، نضطر للرحيل [عن ديارنا]،" كما قالت بضجر وهي تتذكر رحلتها إلى مدينة غزة. "كان هناك قصف مستمر حول منزلنا وقد هدد الإسرائيليون السكان في منطقتنا. لقد أردنا على الأقل أن ننجو بحياتنا".
من جانبها، تؤكد القوات المسلحة الإسرائيلية أنها تحذر سكان غزة، ولا تهددهم، من أجل إخلاء المناطق التي تنوي استهدافها.
وتنام الأسرة الآن في مدرسة تديرها الأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة المختصة بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، ولكن الظروف المعيشية لا تناسب المرضى. فقد اضطرت الأسرة لاستبدال منزلها الفسيح بفصل دراسي تبلغ مساحته 30 متراً مربعاً تتقاسمه مع 40 فرداً من عائلتها الممتدة. لقد أحضروا معهم عدداً قليلاً من البطانيات والوسائد، ولكن لا تكاد توجد مساحة كافية لكي يستلقوا جميعاً على الأرض.
وكل ساعة، يصل المزيد من النازحين. وكان الآلاف من سكان غزة قد فروا من منازلهم بعد بدء القوات الإسرائيلية غزوها البري في 17 يوليو.
وتجدر الإشارة إلى أن الأونروا كانت تأوي حوالي 22,000 شخص قبل خمسة أيام، أما الآن فقد تضاعف هذا العدد أربع مرات تقريباً ليصل إلى أكثر من 85,000 شخص - أي أكثر بكثير من عدد النازحين خلال الحرب المدمرة التي استمرت ثلاثة أسابيع في عام 2008، والتي أُطلق عليها اسم عملية "الرصاص المصبوب". كما انتقل آلاف غيرهم للإقامة مع الأصدقاء أو الأقارب، وأصبحت أحياء بأكملها شرق مدينة غزة خاوية تماماً نظراً لانتقال العائلات إلى وسط المدينة تجنباً للقصف. وبات مستشفى الشفاء أيضاً مأوى غير رسمي للنازحين.
وعلى الرغم من الدعوة إلى وقف إطلاق نار فوري من قبل مجلس الأمن الدولي، لم تظهر مؤشرات تُذكر على تراجع حدة العنف. وكان يوم الأحد 20 يوليو هو الأكثر دموية منذ اندلاع أحدث جولة من القتال في 8 يوليو، حيث شهد مقتل 13 جندياً إسرائيلياً وأكثر من 100 فلسطيني، معظمهم من المدنيين. وقد لقي أكثر من 500 فلسطيني و20 إسرائيلياً (من بينهم 18 جندياً) مصرعهم حتى الآن.
ملاجئ مكتظة
وتزداد مخاوف الاكتظاظ في الملاجئ حدة كل ساعة. وقال كريس غانيس، المتحدث باسم الأونروا، أن "الحد الأقصى لعدد الأشخاص الذين يمكن أن تستوعبهم المنظمة في مرافقها هو حوالي 100,000 - على الرغم من أنها ستكون "مكتظة للغاية".
وأضاف أن الأونروا قد أطلقت نداءً طارئاً لجمع 60 مليون دولار لتغطية أعمال الطوارئ لمدة شهر واحد ومرحلة تعافي تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر لتنفيذ أعمال الترميم وإعادة البناء.
وحذر من أنه "إذا لم تستجب الحكومات [لهذا النداء] في الأيام المقبلة، سيتم تقليص أعمال الطوارئ التي نقوم بها".
وفي المدرسة التي زارتها شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، والتي تتخذها أم مصطفى ملاذاً، ينام مئات الأشخاص في الفصول الدراسية. ونظراً لنقص المراتب، ينام البعض على الأرض. وتحاول الأسر الحفاظ على خصوصيتها عن طريق وضع المكاتب فوق بعضها لحجب أجزاء من الغرفة، بينما يتقاسمون الغذاء والامدادات مع من حولهم.
تجلس سمية، وهي أم لثمانية أبناء تبلغ من العمر 40 عاماً، للعب مع حفيدها الذي توفيت والدته - ابنة سمية - (ليس بسبب القصف). وأخبرت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن أبناءها كانوا عاطلين عن العمل بالفعل قبل هذا التصعيد الأخير ولم يتمكنوا من الانتظام في الدراسة بسبب الأزمة المالية الخانقة في غزة.
وقالت سمية: "ليس المال فقط الذي ينقصنا، ولكن أيضاً الأمن والسلامة الشخصية. إذا لم نتمكن من توفير الاحتياجات الأساسية لأسرنا، فإننا نحاول على الأقل نقلهم إلى بر الأمان".
وقد أمر الجيش الإسرائيلي العديد من النازحين الذين تحدثت إليهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بمغادرة منازلهم. كان محمد، البالغ من العمر 37 عاماً، يقف صابراً في صف داخل الملجأ مع طفله البالغ من العمر 18 شهراً، في انتظار الحصول على حليب للطفل وغذاء معلب لبقية أفراد عائلته. وقال أنه غادر منزله بعد أن حلقت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في سماء المنطقة، وأسقطت وابلاً من المنشورات التي حملت رسالة تحذير: "ارحلوا وإلا ستكونون معرضين للخطر".
هذا ولا يزال قطاع غزة مغلقاً بسبب الحصار المفروض عليه منذ سبع سنوات، ولا تزال الحدود مع مصر وإسرائيل مغلقة. وردد محمد السؤال الشائع بين سكان الملجأ قائلاً: "إلى أين سنذهب؟"
وأضاف: "نحن [هنا] من أجل أطفالنا، ونعلم أنه لا يوجد مكان آمن في غزة".
الأونروا تدين تخزين الصواريخ في إحدى المدارس
وكانت الأونروا قد أعلنت أن 64 مرفقاً من ممتلكاتها قد تضرر منذ بداية الأزمة، بينما تزايدت المخاوف من تسييس المأوى منذ اكتشاف 20 صاروخاً في إحدى المدارس الشاغرة التابعة للأونروا. وتتهم إسرائيل حماس وجماعات متشددة أخرى منذ فترة طويلة بتخزين الأسلحة داخل المباني المدنية.
ومنذ ذلك الحين، تعرضت الأونروا لانتقادات من قبل السياسيين الإسرائيليين، في حين ادعت القناة الثانية، أهم شبكة أخبار تلفزيونية في إسرائيل، أن سيارة إسعاف تابعة للأونروا كانت تستخدم لنقل النشطاء في غزة في 19 يوليو - ولكنها تراجعت عن هذا الادعاء فيما بعد وقدمت اعتذاراً عنه.
من جانبه، حذر غانيس من خطورة توجيه السياسيين الإسرائيليين ووسائل الإعلام لمثل هذه الاتهامات، وأدان كذلك تخزين الأسلحة في المدرسة، قائلاً: "هذا الحادث، الذي يعتبر الأول من نوعه في غزة، يعرض حياة المدنيين للخطر، بما في ذلك الموظفون، ويعرض أيضاً مهمة الأونروا الحيوية، التي تتمثل في مساعدة وحماية اللاجئين الفلسطينيين في غزة، للخطر".
ورداً على سؤال حول ما يجري القيام به لضمان عدم تعريض أولئك الذين ينشدون المأوى للخطر مرة أخرى، أفاد غانيس أن الوكالة بدأت تحقيقاً في ملابسات هذا الحادث.
وأضاف أن "لدى الأونروا إجراءات قوية وراسخة بهدف المحافظة على استقلالية كافة منشآتها، بما في ذلك سياسة صارمة بمنع الأسلحة ... وستبقي الأونروا على إجراءاتها تلك وستعمل على تعزيزها".
ad-jd/ha/cb-ais/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions