في إشارة على التزامها بإنهاء الحروب العرقية التي تعاني منها ميانمار منذ ستة عقود، عقدت أول حكومة مدنية في البلاد منذ نصف قرن مؤتمراً للسلام استمر لمدة أربعة أيام الأسبوع الماضي، وقد حظي بضجة إعلامية كبيرة.
وقالت أون سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام والرئيس الفعلي لحكومة ميانمار الجديدة، التي تلعب دوراً خاصاً كمستشارة للدولة: "تترقب الشعوب العرقية في بعض المناطق من بلادنا التي لا يعم بها السلام بعد نتائج هذا المؤتمر بلهفة".
"لقد اضطر أناس عديدون، من جميع الأعمار، إلى الفرار من ديارهم لتجنب الصراع، وخفتت آمالهم منذ فترة طويلة،" كما أخبرت المشاركين في المؤتمر في العاصمة نايبيتاو، مضيفة أنه "يجب ألا ننسى محنتهم".
ويمكن أن يُغفر للاجئين وغيرهم من ضحايا الصراعات المستمرة منذ فترة طويلة اعتقادهم بأنهم قد أصبحوا في طي النسيان بالفعل، وقال ناشطون حقوقيون لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إنهم لا يتوقعون تغييراً كبيراً في أعقاب المؤتمر، على الرغم من كل هذه الخطابة الوردية.
ويعيش حوالي 100,000 لاجئ في مخيمات في تايلاند منذ تسعينيات القرن الماضي، في حين نزح حوالي 113,000 مدني في شمال ميانمار بسبب الصراع منذ عام 2011. وفي ولاية راخين التي تقع في غرب البلاد، لا يزال 120,000 شخص - جميعهم تقريباً من المسلمين المنتمين إلى عرقية الروهينجا - يعيشون في مخيمات النازحين بعد أربع سنوات من طردهم من مجتمعاتهم المحلية.
من جانبه، قال القس هكالام سامسون من الكنيسة المعمدانية في كاشين، الذي يساعد النازحين داخلياً، وخاصة في ولاية كاشين، أننأن محادثات السلام في كثير من الأحيان تعطي الناس سبباً للخوف أكثر من الأمل.
"كلما عُقد اجتماع من هذا النوع، يندلع مزيد من القتال في منطقة كاشين، وبالتالي فإن النازحين يشعرون بالقلق أيضاً حيال ذلك. وبالنسبة للنازحين داخلياً، لم يكن المؤتمر ذا مغزى،" كما أضاف.
انظر: اتفاق وقف إطلاق النار في ميانمار - تقدم أم دعاية؟
"يفقدون مستقبلهم"
ولم يكن للمؤتمر معنى يُذكر بالنسبة للنازحين في ولاية راخين أيضاً لأنه لم يتطرق إلى النزاع العرقي والطائفي، الذي انفجر في صورة موجتين من العنف الذي أجبرهم على الفرار من ديارهم في عام 2012، ولا يزال مستعراً.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وهو هيئة تنسيق المساعدات الطارئة في الأمم المتحدة، في تقرير حديث أن "التحسينات للمأوي التي تشتد الحاجة إليه" تحدث حالياً في مخيمات في ولاية راخين. فقد تم بناء مساكن جماعية كمأوى مؤقت، "وقد وصل الكثير منها الآن إلى نهاية عمره الافتراضي" بعد أربع سنوات من التعرض للأمطار الموسمية وإعصار العام الماضي، كما أوضح التقرير.
وتجدر الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من ضحايا العنف في عام 2012 كانوا ينتمون إلى أقلية الروهينجا الذين قام الغوغاء البوذيون من عرقية راخين بإحراق منازلهم. ولكن لا يزال بعض النازحين من عرقية راخين يعيشون في مخيمات أيضاً.
ويرجع جزء كبير من عداء القوميين من عرقية راخين لعرقية الروهينجا إلى عدم قدرة الحكومة على حل أزمة النزوح. إنهم يعتبرون الروهينجا متطفلين من بنجلاديش، على الرغم من أن بعضهم لديهم أجداد عاشوا في المنطقة منذ قرون. وقد عاشت عائلات كثيرة من الروهينجا هناك لعدة أجيال، بعد أن هاجرت إلى عدة دول في المنطقة قبل وبعد رسم البريطانيين لحدود تعسفية فيها عندما غزوا جزءاً من ما كان يعرف آنذاك باسم بورما في عام 1824.
وقد أدت عقود من السياسات التمييزية التي اتبعها الحكام العسكريون السابقون في ميانمار، الذين تولوا السلطة بعد انقلاب عام 1962، إلى تجريد الروهينجا تدريجياً من حقوق المواطنة. إنها قضية استعصى حلها على الإدارة الحالية شبه المدنية، والحكومة الإصلاحية السابقة التي انتقلت إليها السلطة من المجلس العسكري في عام 2011. وعينت إدارة أون سان سو تشي مؤخراً الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان لرئاسة لجنة ستقضي سنة كاملة في دراسة الوضع قبل تقديم توصيات. وقد احتج بعض الأشخاص من عرقية راخين على تعيين عنان عندما زار عاصمة الولاية مؤخراً.
انظر: هل يصبح روهينجا ميانمار مواطنين في بلدهم؟
ورحب أبو تاهاي، الذي أسس منظمة سياسية محظورة تابعة للروهينجا وتسمى حزب اتحاد التنمية الوطني، بتكوين اللجنة، على الرغم من أنه أشار إلى أن ممثلي المسلمين الثلاثة ليسوا من عرقية الروهينجا، بل من مجتمعات تعيش في وسط ميانمار.
وأضاف أن الحكومة فشلت في التزامها بمساعدة النازحين الروهينجا على العودة إلى ديارهم، وحتى أولئك الذين ما زالوا باقين في قراهم يخضعون لقيود صارمة على الحركة ويفتقرون إلى الرعاية الصحية والوظائف والتعليم.
وحذر من أن "الناس يفقدون مستقبلهم".
قتال مستمر
وسيكون حل أزمة النزوح في شمال ميانمار صعباً بنفس القدر - خاصة بسبب القتال الدائر بين الجيش وثلاث مجموعات عرقية مسلحة هي: الجيش الوطني لتحرير تانغ، وجيش التحالف الوطني الديمقراطي في ميانمار، وجيش أراكان.
وقد رفض جيش ميانمار السماح لممثلين عن تلك الجماعات بحضور الاجتماع الذي عقد مؤخراً في العاصمة. وأُطلق على الاجتماع اسم "مؤتمر بانغلونغ للقرن الـ21"، في استدعاء واضح لاتفاق بانغلونغ في عام 1947 بين المنظمات العرقية الرئيسية وأون سان، بطل الاستقلال ووالد أون سان سو تشي الذي اغتيل بعد ذلك بوقت قصير. ونظر البعض إلى موقف الجيش المتشدد كدليل على أنه ليس مهتماً حقاً بالحديث عن السلام.
وفي السياق نفسه، قال ماي ليروك، وهو ناشط في اتحاد تانغ للطلبة والشباب، أن "المجتمع الدولي والحكومة المركزية يقولون أن عملية سلام شاملة قد بدأت في ميانمار، ولكن لا يزال القتال يندلع كل يوم في مناطق تانغ".
وأضاف عبر الهاتف من ولاية شان، التي تعيش بها غالبية السكان من عرقية تانغ: "لا يمنحني مؤتمر بانغلونغ للقرن الـ21 أي أمل خاص، لأنها خطوة صغيرة جداً بالنسبة لمفاوضات السلام ولا تشمل جميع المنظمات العرقية المسلحة".
انظر: حرب المخدرات في جبال في ميانمار
ومن المقرر عقد مؤتمر سلام آخر في غضون ستة أشهر. وإذا كان النصف الثاني من السنة يشبه النصف الأول، فمن المتوقع أن يرتفع عدد النازحين في المخيمات مع استمرار القتال في الشمال.
وفي هذا الشأن، قال تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن نحو 12,000 قروي من عرقية تانغ وشان قد فروا منازلهم في ولاية شان في النصف الأول من عام 2016، في حين نزح حديثاً 240 مدنياً من ولاية كاشين خلال نفس الفترة.
pv/jf/ag-ais/dvh
(الصورة الرئيسية: مستشار دولة ميانمار، أون سان سو تشي، تجلس في الصف الأمامي أثناء مؤتمر السلام الذي بدأ في 31 أغسطس 2016 في نايبيتاو. ويظهر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في أقصى يسار الصورة، والرئيس هتين كياو يجلس إلى يمينها. تصوير: بول فرييزي)