وحتى عندما يشعر كلا الجانبين بأنه قد يكون لديهما ما يكسبانه من خلال العمل مع بعضهما البعض، تبين سلسلة من الدراسات التي أجرتها مجموعة السياسات الإنسانية في معهد التنمية الخارجية في لندن (ODI) أنه في كثير من الأحيان لا تكون لديهما أدنى فكرة عن كيفية التعامل مع بعضهما البعض، ولا يوجد منتدى يمكنهما الالتقاء فيه، واللغة المشتركة بينهما محدودة للغاية.
وفي هذا الصدد، قال ستيفن زيك من معهد التنمية الخارجية، الذي عمل على تطوير المشروع، أن القطاع الخاص هو في الواقع ضالع بشكل عميق في الاستجابة الإنسانية لحالات الطوارئ. وأضاف أن "الشركات غالباً ما تكون من بين أول المستجيبين لأية أزمة، فتفتح متاجرها ومستودعاتها، وتقدم شاحناتها ومعداتها وآلاتها طواعية لتطهير الطرق وتوصيل الإمدادات إلى المناطق المتضررة. وفي عالم تعتمد وكالات الإغاثة فيه بشكل متزايد على برامج التحويلات النقدية للوصول إلى السكان المتضررين من الكوارث، تعتبر مجرد المساعدة في إعادة تشغيل الأسواق في المجتمعات البعيدة جزءاً رئيسياً من المشاريع الإنسانية.
"هذه ليست بدعة،" كما أفاد زيك، مضيفاً أن "فرص العمل مع الشركات في مجال العمل الإنساني سوف تزداد في المستقبل. إن العديد من التحديات التي نواجهها على نحو متزايد - نتيجة لتغير المناخ أو تفشي الأوبئة أو الفشل التكنولوجي - هي الأشياء التي تمتلك فيها الشركات التجارية ميزة تنافسية حقيقية".
ولأغراض الدراسات القطرية التي أجروها، بحث أعضاء الفريق عن الأماكن التي يزدهر فيها القطاع الخاص - كينيا وإندونيسيا والأردن وهايتي. وفي الأردن وإندونيسيا كانوا يدرسون أيضاً البلدان المتوسطة الدخل التي تفضل الابتعاد عن الوكالات الدولية وبذل قصارى جهدها بنفسها. وقال زيك: "إننا نرى أن العديد من البلدان تسعى إلى التعاون مع القطاع الخاص، بدلاً من وكالات الإغاثة التقليدية لأنهم يريدون التأكد من أن الاستجابة للأزمة تساعدهم بالفعل على مواصلة مساعيهم لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية ... وقد سئمت بعض البلدان من الطريقة التي يتم تصويرها في بعض الأحيان من قبل وكالات الإغاثة التقليدية عند توجيه نداءاتها وبذل جهودها لجمع الأموال - من قبيل هذا بلد مدمر، وفي حالة من الفوضى، وغير ملائم للاستثمار الأجنبي المباشر - وهذا في الواقع يضر بنمو تلك البلدان على المدى الطويل".
كما وجد الباحثون أثناء عملهم أمثلة على شراكات مبتكرة ومفيدة، ولكنهم لاحظوا أيضاً العديد من الفرص الضائعة. ففي أعقاب الزلزال الذي وقع في هايتي، أطلعت شركات الاتصالات الوكالات الإنسانية على البيانات الخاصة بها، وساعدتها على تعقب حركة الناس. كما ساعدت الوكالات على إيصال المعلومات إلى الجمهور من خلال خدمة الرسائل النصية القصيرة، مما مكن الوكالات من استهداف الناس في منطقة معينة عن طريق توجيه رسائل عبر هوائيات معينة.
ولكن كان من الممكن تجنب بعض المشاكل عن طريق إجراء قدر قليل من التخطيط المسبق المشترك. وأتى تبرع شركة ديجيسيل بدقائق مجانية لعملائها بنتائج عكسية عندما أدت الزيادة الكبيرة في الاتصالات إلى انسداد حركة المرور على الشبكة. كما تدفقت على الشركات طلبات غير منسقة من المنظمات غير الحكومية لإرسال رسائل نصية قصيرة، تأخر بعضها أو تم إرسالها مرتين، وبدأ العملاء يعتبرونها مصدر إزعاج. وفي نهاية المطاف، قامت الشركات بتعيين موظفين متخصصين لتصنيف الرسائل، وبالتالي تحسنت الأوضاع.
كما قدمت الشركات العالمية يد العون، إذ أرسل اتحاد شركات الخدمات اللوجستية (تي أن تي ويو بي إس وأجيليتي) فريقاً من الخبراء إلى هايتي لإدارة المستودعات وإنهاء الاختناقات في سلسلة التوريد. وحرصت شركة ويرلبول المتخصصة في صناعة الأجهزة الكهربائية على المساعدة أيضاً. لم تكن هايتي بحاجة إلى الغسالات، ولكن الشركة استطاعت توفير المستودعات التي استخدمت لتجميع مجموعات مستلزمات الإيواء.
منتديات قليلة عن المشاورات الجارية
وقد حدث زلزال هايتي فجأة وكان بمثابة حالة طوارئ مدمرة. أما أزمات اللاجئين - مثل الوضع في الأردن - فهي حتماً أبطأ في ظهورها وتستغرق مدة أطول. وتقيم العديد من الوكالات هنا شراكة مع البنوك والشركات لتشغيل نظم القسائم أو التحويلات النقدية التي تسمح للاجئين بالشراء من الأسواق المحلية، مما يعود بالفائدة على القطاع الخاص، ولكن لا يوجد منتدى للتشاور المستمر. ولو كان هناك منتدى، لما أُخذ الموردون على حين غرة عند ورود طلبات مفاجئة لتوفير عشرات الآلاف من السخانات لتنفيذ برامج فصل الشتاء؛ ولتمكنوا من تخزين السخانات ولأصبحت الأسعار أقل مما كانت عليه.
ويوجد في الأردن مرافق تعليم ورعاية صحية خاصة أقل ازدحاماً بكثير من المدارس والعيادات الحكومية. ويشير التقرير إلى أن الشراكة مع هذه المرافق يمكن أن توفر بعض احتياجات اللاجئين دون الإفراط في إرهاق نظم التعليم والصحة الأردنية. ولكن من الذي يجب أن يتواصل معها؟ وأين ستتم مناقشة هذا الأمر؟ كانت إحدى القضايا التي أثارها هذا البحث تتعلق بالشكل الذي ينبغي أن تأخذه المشاورات الجارية، ومن الذي ينبغي أن يتولى رئاستها. هل ينبغي تنسيق ذلك من قبل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الذي يدير نظام المجموعات القطاعية التي تضم المنظمات غير الحكومية، أو الغرفة التجارية المحلية؟ أو الحكومة في واقع الأمر؟
ومن المهم أيضاً تحديد الحضور، إذ عادة ما ترسل وكالات الإغاثة مسؤولي جمع التبرعات للتحدث مع القطاع الخاص؛ بينما تقوم الشركات بتفويض أقسام العلاقات العامة لتولي هذا النوع من الأعمال، ولكن هذين النوعين من الموظفين ليسا مناسبين لإنشاء شراكات مبتكرة.
شركة بيبوبل (Peepoople) هي شركة صغيرة طورت نظام صرف صحي مبتكر يمكن استخدامه في حالات الطوارئ. ويتم أحياناً توجيه الدعوة لمديرة مبيعات الشركة، آسا انجيلينو، لحضور اجتماعات مجموعة العمل القطاعية المختصة بالمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، ولكنها سترحب بمشاركة طويلة المدى في المناقشات الاستراتيجية. فهي على اتصال جيد نسبياً مع عالم المنظمات غير الحكومية، لكنها أخبرت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنها لا تزال تجد التعامل مع القطاع الإنساني في غاية الصعوبة.
"عند العمل مع الأمم المتحدة، على وجه الخصوص، تصبح عمليات الشراء بطيئة جداً. وفوق كل هذا، يتطلبون ثلاث سنوات من الربح، ونحن لا نستطيع إظهار ذلك. تطلب المنظمات غير الحكومية خطابات توصية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بابتكار مثل اختراعنا، وهذا شيء جيد، ولكننا في الوقت نفسه لا نتلقى دعوة للمشاركة في عمليات التقييم المستقلة، وعندما تتم عمليات التقييم، من غير الممكن إطلاع الآخرين عليها. إن المنظمات غير الحكومية لديها متطلبات تفرضها الجهات المانحة عليها بشأن الطريقة التي ينبغي اتباعها عند شراء المنتجات وإعداد التقارير - أشياء كثيرة لا نفهمها ... وأيضاً التقدم بطلب للحصول على تمويل من بعض المنظمات الكبيرة، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أمر معقد للغاية بالنسبة لنا. إننا نفتقر حتى للمفردات المطلوبة للقيام بذلك،" كما أفادت.
وعلى الجانب الآخر من هذه الفجوة الكبيرة، لا يزال موظفو المنظمات غير الحكومية، مثل جوليان سروديكي من منظمة وورلد فيجن، يشعرون بقلق شديد بشأن صلات ودوافع بعض الشركات المحلية التي يصادفونها. "إنني أتساءل ما هي الآثار المترتبة على دور أكبر للشركات التجارية عندما ينبغي في كثير من الأحيان، بحكم طبائع الأمور، أن تكون لديك انتماءات سياسية جيدة من أجل امتلاك شركات تجارية في بعض السياقات التي نعمل بها. ماذا يعني ذلك لقيمنا التقليدية، وهي الحياد والنزاهة وما إلى ذلك؟"
تجربة أوكسفام
ومنظمة أوكسفام هي واحدة من الوكالات الإنسانية التي ذهبت إلى أبعد مدى في صياغة سياستها للشراكة مع القطاع الخاص. وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت ساندرين لاروش، التي شاركت في إجراء دراسة سياسة أوكسفام بهذا الشأن: "إذا كنا نريد إقامة شراكة محددة مع القطاع الخاص، ينبغي علينا أجراء اختبار أخلاقي، والحصول على تفويض خاص من المقر الرئيسي ومركزنا الإقليمي. نحن بحاجة إلى التأكد من أن الشركة تتماشى مع سياسة حقوق الإنسان الخاصة بنا، وأنها لم تشارك في تصنيع الأسلحة أو السجائر أو الكحوليات أو في أي قطاعات أخرى تنظم أوكسفام حملات ضدها".
وتجدر الإشارة إلى أن لاروش تعمل الآن في هايتي، حيث تشارك حالياً في مشروع مع مؤسسة يونيبانك (Unibank). وتأمل منظمة أوكسفام في استخدام الهياكل المالية لتلك المؤسسة لتقديم التحويلات النقدية للمستفيدين بشكل أكثر سلاسة. لكنها تعلم بوضوح أن هناك بعض أجزاء من العملية لا يكون من المناسب للبنك أن يشارك فيها. "حتى اذا تمكنا من العثور على أدوات جديدة، سيكون من الصعب، على سبيل المثال، أن تطلب من شركة خاصة تولي عملية استهداف المستفيدين،" كما أوضحت.
وترى لاروش فوائد محتملة في هذه الشراكات، ولكنها تعترف بأن زملائها ليسوا جميعاً متحمسين. وقالت أن "هناك شكوكاً، حتى داخل أوكسفام. تكمن المشكلة، على سبيل المثال، في كيفية العمل مع مقدمي الخدمة لفرض سياسات مشتريات جيدة. وكيف يمكنك العمل مع المنظمات الهادفة للربح، وإدخال تحسينات على حياة الناس في نفس الوقت؟"
eb/cb-ais/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions