بدأ فنانو بغداد التواقون إلى بعث الأمل من جديد في نفوس سكان هذه المدينة التي تمزقها الحرب في تغطية جدران الأسمنت التي تم إنشاؤها لحماية المناطق التجارية والسكنية من انفجارات السيارات وغيرها من الهجمات الإرهابية، برسم لوحات فنية تخلد أهم اللحظات التاريخية للبلاد.
وقد حولت هذه المبادرة جدران المدينة إلى لوحات فنية مشبعة بالألوان وزاخرة بالمعاني والذكريات بما فيها المراقد الدينية السنية والشيعية وأسراب الحمام الأبيض ومشاهد من عهد الملك حمورابي وتمثال أسد بابل.
وعن هذه الظاهرة، يقول الفنان عماد النجار، 39 عاماً، الذي كان يرسم منظراً صحراوياً تملؤه الجمال المحملة بالخيرات: إننا نحاول أن نساعد العراقيين على التأقلم مع جدران الأسمنت التي تحيط بهم من كل جانب وتقبلها لأنهم لا يستطيعون التخلص منها، على الأقل في الوقت الراهن... كما أن هذه اللوحات تهدف إلى بعث الأمل في نفوس العراقيين ومساعدتهم على نسيان الآلام اليومية التي يعانون منها، ولو بطريقة مؤقتة، وتذكيرهم بما ربما قد نسوه من أمجاد ماضيهم".
وكانت هذه الجدران التي تمتد في بعض المناطق لأميال وأميال محيطة بالمباني الحكومية والبيوت السكنية والفنادق قد شكلت موضوعاً خصباً للنقاش بين السكان والزعماء الدينيين. ففي بداية هذا العام، اشتكى الزعماء السنيون وسكان حي الأعظمية شمال بغداد بأن الجدار الأمني المقرر إنشاؤه في محيط حيهم بطول 3 أميال وارتفاع 12 قدماً من شأنه أن يكرس التمييز الواقع ضدهم ويعزلهم أكثر.
الرسم وّلد ردود فعل متناقضة
ويقول صلاح الدين محمود: "لا ضير في أن تملأ شوارعنا مثل هذه الصور الجميلة، ولكنها لن تنسينا نقطة من العذاب المرير الذي نعاني منه. إن هذه الجدران جزء لا يتجزأ من معاناتنا ويجب أن نزيلها لا أن نزيِّنها. ما يجب تزيينه هنا هو أرواحنا ونفوسنا حتى نعود للعيش في أمن وسلام كما كنا نفعل في الماضي".
أما عبد الوهاب ناصر الحافظ، فقد وصف هذه اللوحات الجدارية بأنها "خطوة إلى الأمام لتضميد جروح العراق...فيوماً بعد يوم، يثبت العراقيون بأنهم قادرون على تضميد جروحهم وتجاوز المحن التي تواجههم".
في الوقت نفسه، يتم استعمال بعض الجدران الأخرى، وخصوصاً تلك التي تحيط بالمراكز التجارية ببغداد، لترويج البضائع والخدمات. فعلى أحد الجدران المقابلة لمحل محمد خماس في منطقة سيناك التجارية، كُتِبَت عبارة: "لدينا قطع غيار لكل السيارات الكورية واليابانية". وعن ذلك يقول محمد خماس: "أصبحت هذه الجدران جزءاً من حياتنا وواقعاً نعيشه، إذ لا يبدو أنها ستُزال في القريب العاجل، فلماذا لا نستعملها لجذب الزبائن بدل أن نسمح لها بالتأثير سلباً على أعمالنا".
"