1. الرئيسية
  2. Middle East and North Africa
  3. Syria

يوميات سورية: العودة إلى الوطن

Umayyad Mosque, Damascus Wikipedia Commons

دمشق، 24 سبتمبر 2013 (إيرين) -  تخرج كاتب هذه السطور حديثاً من جامعة دمشق، وهو ابن لأسرة ميسورة الحال تنتمي إلى إحدى الأقليات السورية. فضّل الكاتب لدواع أمنية عدم الكشف عن هويته في هذه اليوميات التي يصف في جزئها الثالث عودته إلى دمشق بعد أن أمضى 10 أشهر في المنفى في لبنان.

في نهاية شهر يوليو من عام 2013، وبعد قضاء 10 أشهر في لبنان، انتابتني مشاعر مختلطة حيال العودة إلى سوريا. كنت سعيداً لأنني سأعود أخيراً إلى المكان الذي أحبه أكثر من أي شيء آخر، ولكن أحزنني في الوقت نفسه أنني قضيت ما يقرب من عام في لبنان دون أن أفعل شيئاً سوى البقاء على قيد الحياة، ولم أحقق شيئاً على المستويين المهني والمالي. لم أحزم سوى حقيبة ظهر واحدة وتركت معظم أغراضي في لبنان، لأنني كنت أنوي أن أعود للتقدم بطلب جديد للحصول على تأشيرة أخرى قريباً.

قد تبدو العودة إلى منطقة حرب ضرباً من الجنون، وهي كذلك بالفعل، ولكننا نعود لأننا نحب هذا المكان. هذا كل ما أستطيع أن أقوله، حقاً. إننا نعرف بلدنا جيداً، ونتبنى تكتيكات معينة للحد من المخاطر، مثل اختيار طرق بعينها، ومحو بطاقات ذاكرة هواتفنا. مع ذلك، فقد تجد نفسك في أي لحظة تواجه حالة حياة أو موت: إنفجار سيارة مفخخة أو قذيفة أخطأت هدفها أو تبادل لإطلاق النار. وتصبح الحياة والموت مسألة مرتبطة فقط بالحظ، ولكننا نقبل هذه المخاطرة على أي حال.

لا أريد أن أشرح كيف عدت إلى البلاد لأن ذلك قد يعرض حياة أناس آخرين للخطر، ولكن بمجرد دخولي إلى البلاد، وجدت نفسي أستطيع أن أتنفس بسهولة عند عبور نقاط التفتيش العادية؛ إذ أن بطاقة هويتي تشير إلى مسقط رأسي وهي مدينة لا تسكنها سوى الأقليات. مع ذلك، فقد تجنبت الطريق السريع الذي يربط بين دمشق وبيروت، واخترت بدلاً منه طريقاً جبلياً أطول ولكنه أضيق يؤدي إلى دمشق. كنت أرغب في تجنب نقطة تفتيش معينة لأنني كنت على دراية بأن المسؤولين يستخدمون جهاز كمبيوتر للتحقق من بطاقات الهوية، وعرفت أنهم سيكتشفون أنني لم أدخل البلاد بصورة قانونية. أضاف هذا المسار الجديد ساعتين إلى زمن الرحلة التي كانت تستغرق ساعة واحدة في الماضي، ولكنها الآن تستغرق عادة ثلاث ساعات بسبب نقاط التفتيش.

وعندما بدأت تلوح لي أجزاء من المدينة في الأفق، رسمت اللهفة ابتسامة بلهاء على وجهي. تتمتع دمشق بقدرة غريبة على تحويل الرجال إلى أطفال في طرفة عين. وتنبعث منها رائحة الأم، ولذا أحب أن أشير إليها بالضمير المؤنث. وعندما اقتربنا من المدينة، رأيت أعمدة من الدخان تتصاعد من أجزاء منها. لم تكن رؤية هذا المشهد المألوف كما قد تتخيلها عند مشاهدة الأخبار. بالنسبة لي، كان هذا المشهد يشبه رؤية أمك وهي تتعرض للضرب على يد زوج أم أو مالك عقار. لا، بل لا يستطيع شخص أن يقصف دمشق بهذه الطريقة إلا إذا كان غريباً تماماً أو لصاً. كنت قد رأيت بلدي تحترق من قبل، ولكن غيابي عنها لفترة من الزمن جعل المشهد يحطم فؤادي مرة أخرى.

وعندما وصلت إلى المنزل، شعرت بالحزن والانكسار، ولكن رؤية عائلتي وتناول وجبة غداء سورية مطهية في المنزل، وهي الشاكرية (لحم الضأن في صلصة الزبادي) رفع من معنوياتي. واستمرت الحياة وسط أصوات القصف اليومي. يذهب والداي إلى وظيفتيهما الحكوميتين، بينما ألتقي بالقليل ممن تبقى من أصدقائي في سوريا.

ولأنني غير معتاد على وجود وقت فراغ في حياتي، فقد شاركت في مبادرة بعنوان "خسى الجوع"، التي أطلقتها المنظمة غير الحكومية السورية "ساعد". كان شهر رمضان المبارك قد حل، فقمنا بإعداد وتسليم وجبات الطعام للأشخاص الذين لم يستطيعوا تحمل نفقات وجبة إفطار جيدة. ركزت المبادرة في المقام الأول على النازحين داخلياً في الملاجئ الموجودة في المناطق الآمنة، ولكن تم تسليم جزء صغير إلى "الأحياء الساخنة" - أي غير الآمنة، التي تمزقها الصراعات. كنت أعرف تلك البلدات والأحياء عن ظهر قلب لأنني كنت أعمل بها ولدي أصدقاء هناك، ولكن اليوم، أصبحت تلك المناطق محطمة. رأيت أناساً يعيشون في خيام أقيمت على بقايا منازلهم المدمرة وأعداداً هائلة من الناس الذين يعيشون في المباني القليلة التي لا تزال قائمة.

في البداية، ظننت أنني كنت أتبع نهجاً استباقياً وأحاول أن أفعل شيئاً للمساعدة، ولكن بعد مشاهدة كل ذلك، شعرت بالأنانية. بدا الأمر كما لو كنت أحاول أن أجعل نفسي أشعر بتحسن من خلال تقديم وجبة لا قيمة لها إلى شخص فقد كل شيء على سبيل التعويض. كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أشعر فيها بالخجل من كوني على قيد الحياة وأتمتع بالعيش الكريم.

إن التغييرات التي شهدتها دمشق أقل حدة من أي مكان آخر في البلاد، ومع ذلك، يمكن أن يكون وقعها قاسياً. فمن النادر أن ترى آثار معركة بالأسلحة النارية، على سبيل المثال. وفي داخل العاصمة، تتولى الدولة إصلاح كل شيء على الفور للحفاظ على مظهر الحياة الطبيعية. ولكنني كنت أرى الكثير من الأشخاص الذين بدوا وكأنهم لم يغتسلوا بشكل مناسب منذ عدة أيام، ويتجولون في الشوارع بملابس قذرة أو غير مكوية. وأدركت أنهم لابد أن يكونوا من المقيمين في البيوت المزدحمة التي تستضيف النازحين في دمشق. كنت قد سمعت عن شقة تبلغ مساحتها 100 متر مربع ويقطن بها 60 شخصاً.

ولكن هناك لحظات سعيدة أيضاً. ففي فترة بعد الظهيرة في أحد أيام الصيف الحارة، استقليت حافلة كجزء من عملي في حملة "خسى الجوع"، وكانت الحافلة خاوية على غير المعتاد. كانت جميع المقاعد مشغولة، ولكن لم يكن هناك سوى أشخاص قليلون يقفون في الممر. وفجأة، بدأ شخص يجلس في مقعد منفرد ويستند بظهره إلى النافذة يعزف الغيتار ويغني. لم يكن صوته مناسباً للغناء، ولكنني شعرت بالأمل المنبثق من حباله الصوتية. كان يغنى أغنية للمطربة داليدا التي ولدت في مصر بعنوان "حلوة يا بلدى".

في البداية، فوجئ ركاب الحافلة بما يحدث، ولكن تدريجياً بدأنا جميعاً نغني معه، وخفتنا أصواتنا إلى أدنى مستوى ممكن للاستماع إلى عزفه الهادئ. لم يشعر أحد بالحرج. بل على العكس، كان الجميع في غاية السعادة لأخذهم استراحة من الحرب لا تتعدى بضع دقائق. بل رأيت بعض الدموع تنهمر على وجنات الناس. ثم انتهت الأغنية دون كلمة واحدة، ودون النظر في عيون أي شخص - كما لو لم يكن يريد أن يتلقى ثناءً على ما قدمه لنا. حزم الرجل غيتاره، ثم وقف وترجل من الحافلة.

سارعت بالنزول خلفه لكي أسأله عن دوافعه. كنت قد سمعت عن لقاءات مماثلة في دمشق. وقال أنه عضو في حركة تسمى "مشروع ومضة". لم يقل أكثر من ذلك، وأنا لم أسأل، ولكنني بعد ذلك بحثت على الإنترنت، ووجدت مقطع فيديو لإحدى عروض الحركة الأكثر إتقاناً يبين حفنة من خيرة الموسيقيين والمطربين السوريين الشبان تجمعوا في سوق خاو بقدر أكثر من المعتاد لكي يغنوا للآخرين ويمنحوهم "ومضة" أو كمية صغيرة من الأمل الذي تشتد الحاجة إليه.

يوميات سابقة

الرحيل من دمشق 
الحياة في المنفى


This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions

Share this article

Get the day’s top headlines in your inbox every morning

Starting at just $5 a month, you can become a member of The New Humanitarian and receive our premium newsletter, DAWNS Digest.

DAWNS Digest has been the trusted essential morning read for global aid and foreign policy professionals for more than 10 years.

Government, media, global governance organisations, NGOs, academics, and more subscribe to DAWNS to receive the day’s top global headlines of news and analysis in their inboxes every weekday morning.

It’s the perfect way to start your day.

Become a member of The New Humanitarian today and you’ll automatically be subscribed to DAWNS Digest – free of charge.

Become a member of The New Humanitarian

Support our journalism and become more involved in our community. Help us deliver informative, accessible, independent journalism that you can trust and provides accountability to the millions of people affected by crises worldwide.

Join