إذا قمت بزيارة إقليم آتشيه اليوم دون أن تكون على علم بتاريخه، فإنك لن تدرك بأنه قد تعرض لتسونامي مدمر قضى على المنازل والمباني والطرقات وأودى بحياة أكثر من 167,000 شخص هناك.
فبفضل التبرعات وأموال الحكومة التي تم ضخها للإقليم بعد التسونامي والتي تجاوزت السبعة مليارات دولار، يفخر هذا الإقليم، الذي عانى من ثلاثة عقود من الحرب الأهلية قبل التسونامي، بمستشفاه الحديث للغاية الذي يضم 350 سريراً وبمدارسه العصرية وطرقه الجديدة.
ولكن إن كنت بحاجة لعملية جراحية في القلب فعليك الذهاب للخارج للحصول على الرعاية الطبية، وإن رغبت في تعلم كيفية استخدام الانترنت فعليك أن تسأل الطلاب لا المعلمين.
فبعد مرور أكثر من خمس سنوات على كارثة التسونامي التي اجتاحت المحيط الهندي، تم بالفعل إعادة بناء إقليم آتشيه بشكل أفضل، ولكنه لا يزال يفتقر للمهارات والموارد المالية اللازمة لتدريب الأشخاص القادرين على تشغيل كل ما حظي به الإقليم.
وعلق جون بينيه، ممثل الاتحاد الأوروبي في آتشيه، على هذا الموضوع قائلاً: " يتساءل الجميع عما إذا كانوا قادرين على إدارة كل هذا أو على الأقل المحافظة عليه ورعايته. فقد حظيت البنية التحتية بالكثير من الاهتمام، ولكن لا بد من وجود أشخاص مدربين لتسييرها ومن توفر الالتزام والإدراك الواضح لمن يديرها". وأضاف أن "ما ينقص هو الخبرة البشرية، فقد تسبب 30 عاماً من الصراع في حرمان الكثيرين من التعليم المناسب كما أودى التسونامي بحياة العديد من المعلمين والعاملين في الجامعات".
علاوة على ذلك، اكتملت معظم مشاريع التسونامي في الذكرى السنوية الخامسة للكارثة في شهر ديسمبر الماضي ولم يتبق سوى القليل من المال لتدريب الكوادر البشرية.
وأشار جان لودوفيك ميتينيه، رئيس مكتب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف) بآتشيه، إلى أن "غالبية هذه الأموال خصصت للبنية التحتية. ولم يتم تخصيص سوى القليل جداً لبرامج التدريب. واليوم لم يتبق هناك سوى القليل من الأموال لتنمية مهارات المهنيين".
من جهته، أفاد إيرواندي يوسف، حاكم إقليم آتشيه، أن المنطقة فقدت 2,500 معلم وأستاذ و100 طبيب بسبب التسونامي. وبالرغم من أنه قد تم بالفعل ملء معظم الوظائف الشاغرة، إلا أنه لا بد من التركيز على الجودة، وهي لا تزال غير كافية من وجهة نظري".
الافتقار للمهارات
وقال توفيق مهدي، مدير مستشفى باندا آتشيه، أن هذا المستشفى، الممول من قبل ألمانيا، مجهز بأحدث المعدات ولكنه يضطر لإرسال المرضى إلى جاكرتا أو ماليزيا للحصول على الرعاية المتخصصة.
وأضاف أن العديد من طلاب الطب في آتشيه حصلوا على منح دراسية في جاكرتا وسينضمون للعمل في المستشفى. ولكن أخصائي جراحة القلب لن ينتهي من دراسته سوى بعد ثلاث سنوات كما لا يزال أخصائيا الأورام بحاجة لعامين لإنهاء دراستهما.
وأوضح أن "الجودة لا تعتمد على موظفي الأمن أو على حداثة المبنى وإنما على الموارد البشرية. فهذا المبنى وهذه المعدات لا تفيد بشيء دون زيادة الخدمات العامة".
وأشار حاكم الإقليم إلى وجود قصور مماثل في مجال التعليم، فمعظم المعلمين غير مدربين بما فيه الكفاية لتوفير التعليم المناسب. وأضاف قائلاً: "يتم إرسال العديد من المدرسين للتدريب في ماليزيا، ونحن بحاجة لسنوات عديدة للتمكن من التكيف مع هذا الوضع".
وصرح ميتينيه أن اليونيسف عقدت شراكة مع وزارة التربية والتعليم لتدريب 8,000 مدرس على المنهج التعليمي الجديد، ولكن لا يزال غالبية المدرسين في الإقليم بحاجة للانضمام إلى هذا التدريب. وأضاف أن "الحاكم قال أنه سيضطر لاستخدام ميزانيته كلها لتدريب جميع المعلمين، لذلك فنحن بحاجة فعلاً لمصادر تمويل أخرى".
وفي المدرسة الابتدائية الحكومية 34 التي أعيد بناؤها حديثاً، وهي عبارة عن مجمع كان يضم فيما قبل ثلاث مدارس ابتدائية مختلفة تعرضت اثنتان منها للدمار إثر التسونامي، يقوم التلاميذ بألعاب مختلفة.
وفي غرفة مجاورة أكثر هدوءاً، يتحسر المعلمون على ما يعانونه من صعوبات، حيث قالت نعيمة، وهي مدرسة صف سادس: "لا يمكننا استخدام الإنترنت وكذلك الطلاب. لا يهمنا المبنى بل نهتم بما في داخل المبنى. فمن غير المجدي تزويد الأطفال بمبنى جديد دون توفير التعليم الجيد. هناك الكثير من الأشياء الجميلة التي تم بناؤها ولكننا نفتقر للقدرة على صيانتها والحفاظ عليها".
وقال سيمون فيلد، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في آتشيه أن البرنامج يدعم جهود التدريب التي تقوم بها الحكومة في الإقليم والتي تتطلب الملايين من الدولارات لفترة لا تقل عن خمس سنوات حتى عام 2015.
وأضاف قائلاً: "بناءً على خبرتنا في دعم حكومة الإقليم وحجم هذه المشكلة على مستوى المقاطعات، نقدر بأننا بحاجة إلى نحو 20 مليون دولار. ولكننا لم نتلق أي دعم من الجهات المانحة لمعالجة هذا الأمر نيابة عن الحكومة... يجب تقديم المساعدة على مدى سنوات عدة لأن بناء القدرات يستغرق وقتاً طويلاً".
at/mc/mw – foa/azm - dvh