بعد مرور أكثر من عام على إقرار طريقة العمل التي يجب أن تتبعها الجهات الإنسانية والعسكرية في أفغانستان، لا تزال وكالات الإغاثة تتبنى وجهات نظر مختلقة حول نجاح تلك الطريقة. ولكن الجميع يكاد يتفق على أنها بحاجة إلى أن يفرض تنفيذها بقوة أكثر وأن يتم نشرها على نطاق أوسع.
وفي هذا السياق، قال وائل الحاج إبراهيم، مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في أفغانستان، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): أعتقد أن المبادئ التوجيهية [للتفاعل والتنسيق بين الجهات الفاعلة الإنسانية والعسكرية في أفغانستان] نجحت إلى حد ما في تحقيق الهدف منها. فقد بدأ المجتمع الإنساني والسلطات العسكرية يتفاعلان مع بعضهما البعض في إطار محدد بوضوح ومقبول".
وألقى الضوء على إنجازين على الأقل تم تحقيقهما في إطار المبادئ التوجيهية خلال السنة الماضية، ويتمثلان في "ورقة السياسات رقم 3 التي تطالب فرق إعادة الإعمار الإقليمية التابعة لحلف شمال الأطلسي بالامتناع عن تقديم المساعدة الإنسانية إلا إذا طلبت السلطات المدنية ذلك منها بالتحديد، بالإضافة إلى اعتراف حلف الناتو بضرورة التفريق بين المقاتلين وغير المقاتلين وأمره لقواته بعدم استخدام المركبات البيضاء اللون اعتباراً من 1 مايو 2009".
وبالرغم من ذلك، إلا أن منظمة أوكسفام الدولية ترى أن المبادئ التوجيهية التي وافقت عليها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وقوات الناتو والقوات التابعة للحكومة الأفغانية في أغسطس 2008 ، لا تزال إلى حد كبير مجرد حبر على ورق.
فبالنسبة لأشلي جاكسون، الباحثة في شؤون السياسة العامة والدعم لدى منظمة أوكسفام الدولية في كابول، يعتبر "عدم إحراز تقدم يذكر منذ إقرار المبادئ التوجيهية قبل أكثر من عام أمرا محزنا. كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت المبادئ التوجيهية تطبق على أرض الواقع، أو مدى تعميمها على الأقل". وأضافت أنه لم يتم وضع آليات منهجية لرصد الامتثال للمبادئ التوجيهية.
من جهته، أفاد لوران سيلارد، مدير اتحاد يضم أكثر من مئة منظمة غير حكومية أفغانية ودولية يدعى أكبر، أن "وثيقة المبادئ التوجيهية للتفاعل بين المدنيين والعسكريين تبقى في الواقع مجرد حبر على ورق". و ألقى سيلارد اللوم على كل الجهات الفاعلة العسكرية والإنسانية في ما وصفه ب "نصف فشل" المبادئ التوجيهية.
الحد من المفاهيم المغلوطة
الصورة: أحمد/إيرين |
توظف بعض المنظمات الإنسانية حراساً مسلحين لحماية قوافلها ومكاتبها وموظفيها |
وفي هذا السياق، أفاد الحاج إبراهيم، مسؤول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أنه "كان من المفترض أن تساهم المبادئ التوجيهية في تسهيل التفاعل العملي في الوقت حين يدور فيه نقاش أكبر بين القائمين على الجيش والقادة السياسيين حول دور الجانب العسكري واستراتيجيات الفوز بالقلوب والعقول، واستخدام المساعدات الإنسانية والإنمائية كأدوات سياسية وغيرها من الأمور الأخرى".
ويرى عمال الإغاثة أن المبادئ التوجيهية تشكل أداة حاسمة بالنسبة لهم وللجهات العسكرية على حد سواء. حيث أشارت جاكسون من أوكسفام إلى أنها "تؤكد المبادئ الإنسانية وتساعد على توصيل أهمية احترامها للجهات العسكرية، مثل حق عمال الإغاثة في عدم تبادل المعلومات مع القوات العسكرية إذا كانت قد تعرض حياة الناس للخطر أو إذا كان ستُستخدَم لأغراض عسكرية".
الطريق إلى الأمام
ويتفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة أوكسفام وأكبر ACBAR على أن ضرورة نشر المبادئ التوجيهية على نطاق واسع بين جميع الأطراف الفاعلة، وتبني آليات رصد أقوى. حيث ترى جاكسون أن "ما نحتاج التركيز عليه حقا هو النشر الفعلي لهذه المبادئ، ومن ثم إيجاد نظام رصد قوي لضمان خضوع الانتهاكات التي يتم التبليغ عنها أو اكتشافها لتحقيقات دقيقة ومتابعة ملائمة".
في حين يرى الحاج إبراهيم، مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أنه "ينبغي التشديد على القضايا المختلف عليها بين القيادة السياسية والعسكرية ذات الصلة المنوط بها اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي يريد المجتمع الإنساني أن يرى القوات المسلحة تغيرها".
وترى وكالات الإغاثة أنه بإمكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن يكون أكثر فعالية في تشجيع الالتزام بالمبادئ التوجيهية وتسهيل حوار أوسع بين مختلف الأطراف المشاركة لتحقيق هدف توصيل المساعدات الإنسانية بشكل "إنساني ومحايد وغير منحاز".
موجز المبادئ التوجيهية
تفرض المبادئ التوجيهية على عمال الإغاثة التالي :
أ) "يجب أن تحافظ الجهات الفاعلة الإنسانية على استقلاليتها التشغيلية، بما في ذلك حرية التنقل وتعيين الموظفين المحليين والدوليين وعدم الانضمام إلى التخطيط والعمل العسكري والوصول إلى خدمات الاتصالات".
ب) "يجب أن يسعى العاملون الإنسانيون لضمان الوصول المستدام إلى جميع الفئات المستضعفة من السكان في جميع أنحاء البلاد وأن تكون لهم حرية التفاوض مع الفرقاء للعبور إلى هؤلاء المحتاجين".
ج) " يجب أن يتم تقديم جميع المساعدات الإنسانية دون الانخراط في القتال أو الانحياز لأحد أطراف الخلافات السياسية أو الدينية أو المذهبية".
من جهة أخرى، تقتضي المبادئ التوجيهية أن تلتزم القوات العسكرية بالآتي:
أ) احترام حياد واستقلال العاملين في المجال الإنساني، وتجنب "العمليات والأنشطة أو أي إجراء يمكن أن ينال من استقلال أو سلامة العاملين في المجال الإنساني".
ب) "الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان وقرارات مجلس الأمن التي تنطبق عليها".
ج) أن تكون مسؤولة بالدرجة الأولى عن "توفير الأمن، وإذا لزم الأمر، المساعدة في تأسيس البنية التحتية الأساسية وإعادة الإعمار العاجلة التي تقتصر على سد الثغرات القائمة حتى تتمكن المنظمات المدنية من تولي زمام الامور."
د) "التنسيق مع الجهات الإنسانية الفاعلة من أجل تحديد وسيلة للتمييز بين سيارات كل من الجانبين".
الصورة: خالد نزيه،إيرين |
فقد برنامج الأغذية العالمي مئات الأطنان من المساعدات الغذائية خلال هجمات مسلحة على قوافله في عام 2008 |
وبشكل عام، ينبغي أن تحافظ الجهات الإنسانية على أمنها من خلال قبول السكان المحليين لها. وللتخفيف من المخاطر الأمنية، ينصح عمال الإغاثة بالابتعاد عن الأنظار واتباع استراتيجيات وقائية أثناء السفر.
كما ينبغي على عمال الإغاثة ألا يسافروا في سيارات تابعة للجيش إلا "في ظروف قصوى فقط"، وفقاً للمبادئ التوجيهية التي تنص أيضاً على ألا يرتدي العاملون الإنسانيون الزي العسكريً.
ويجب أن يكون مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومظلة التنسيق بين المنظمات غير الحكومية "أكبر" على اتصال بالجهات العسكرية في القضايا الأمنية نيابة عن عمال الإغاثة. كما يمكن للجهات الفاعلة الإنسانية تبادل المعلومات مع الجهات العسكرية فقط إذا كان ذلك يساعد على سلامة المدنيين وعمال الإغاثة.
ومع ذلك، يجب عدم مشاركة الجهات العسكرية أية معلومات قد تعرض حياة الناس أو الأنشطة الإنسانية للخطر أو تضر بحياد ونزاهة العاملين في المجال الإنساني أو تستخدم لأغراض عسكرية.
كما يجب على الجهات الإنسانية والعسكرية الفاعلة أن تضمن تقديم المعونة على أساس الاحتياجات وفقا لمبادئ "الإنسانية والنزاهة والحياد". حيث تنص المبادئ التوجيهية على أنه "لا يجب استخدام المساعدة الإنسانية لغرض تحقيق مكاسب سياسية أو لبناء علاقات، أو كسب القلوب أوالعقول '".
ويمكن أن يكون تسليم المساعدات مباشراً ، أي توزيع السلع والخدمات وجهاً لوجه، أو غير مباشر (من خلال الشركاء المحليين)، ولكن في جميع الأوقات ينبغي احترام القوانين الأفغانية والدولية والثقافة والعادات المحلية.
وتنص المبادئ التوجيهية على أنه "ينبغي أن يكون الاستقلال والطابع المدني لتقديم المساعدة الإنسانية واضحاً في جميع الأوقات ". كما ينبغي أن تكون انتهاكات المبادئ التوجيهية من قبل الجيش أو الجهات الأمنية الأخرى موثقة ويجب إبلاغها لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وأكبر في أقرب وقت ممكن. و يمكن لأي من الجهات الفاعلة المعنية أيضاً إحالة انتهاكات المبادئ التوجيهية إلى مجموعة عمل أفغانستان المدنية والعسكرية للنظر فيها.
ad/cb- ais/az
"