لم يستطع أنطوني بول مادوت، حاكم ولاية واراب في جنوب السودان، أن يخفي إحباطه عندما التقى بممثلي الدول الأوربية المانحة خلال زيارتهم لهذه المنطقة النائية والفقيرة.
وقال مادوت مؤكداً على ما يعتبره إهمالاً لجنوب السودان منذ إتفاقية السلام الشاملة عام 2005: "يموت الناس في جوجريال بسبب الكوليرا ولا توجد لدينا حتى الطرق والشوارع لتوصيل الأدوية إليهم". وكانت الاتفاقية قد أنهت رسمياً الحرب الأهلية بين الحكومة السودانية التي تتخذ من الشمال مقراً لها وثوار الجيش الشعبي لتحرير جنوب السودان سابقاً.
وعدت الدول المانحة والحكومة السودانية بتقديم مساعدات كبيرة لبناء الجنوب، ولكن غضباً واسع الانتشار تولد في المنطقة بينما لا يزال الناس ينتظرون قطف ثمار ما يمكن اعتبارها منافع السلام بعيدة المنال.
وفي تعقيد أكبر للمسألة، بدأ آلاف اللاجئين السابقين والمهجرين داخلياً بالتوافد إلى الجنوب للانضمام إلى مجتمعات دمرها الفقر وغابت عنها الخدمات الاجتماعية الأساسية.
وقال دينيس مكنامارا، المستشار الخاص لشؤون النزوح الداخلي في الأمم المتحدة: "يمكن أن تكون هذه أكبر حركة عودة إلى الوطن تشهدها أفريقيا في السنوات الأخيرة. عاد مئات الآلاف من الأشخاص بشكل عفوي وبعضهم عاد بمساعدة وكالات الإغاثة كالأمم المتحدة والمنظمة العالمية للهجرة ومنظمات غير حكومية أخرى".
نقص في المرافق
عاد مارتن رايش، 14 سنة، مع عائلته من مقاطعة مانيانج في ولاية بحر الغزال الغربية حيث لجأت عائلته هرباً من الحرب عام 1999 إلى قرية تاركوين في ذات الولاية، وهو يشعر بالإحباط الشديد إذ لا يرى أي فائدة من ذهابه إلى المدرسة بشكل منتظم.
وقال مارتن: "المدرسة هنا عبارة عن كوخ تم تقسيمه إلى غرفتين ويوجد فيها مدرس واحد فقط، وعلي أن أمشي لمدة ساعتين لأصل إليها". ووصف المدرسة التي كان يذهب هو وأختيه في مقاطعة مانيانج بأنها مدرسة "حقيقية".
وأضاف مكنامارا: "نحن قلقون جداً لأن مئات الآلاف من الأشخاص عادوا إلى ديارهم التي تقع في مناطق تعاني معظمها من مشاكل فظيعة وتفتقر للخدمات التي يمكن تقديمها للسكان الحاليين. يوجد نقص في موارد المياه والمدارس والدعم الطبي، ولا توجد خطة حقيقية قيد التطبيق للتنمية الاقتصادية والمعيشية".
أما تونج مايين، 48 عاماً، وزوجته آتشان وصغيريهما فقد بدوا في حالة حيرة وارتباك بعد نزولهم من إحدى الشاحنات المستأجرة من قبل المنظمة العالمية للهجرة لإحضارهم من مخيم ماريال أجيت للمهجرين داخلياً في بلدة واو إلى كواجوك حيث سيواصلوا رحلتهم من هناك نحو قريتهم.
ووقال تونج لشبكة الأنباء الإنسانية "إيرين": "لم نبن منزلنا بعد ولكن أختي عادت قبلنا وعدتنا بتوفير مأوىً لنا. كما يوجد لدينا أرض وحصلنا على وعود لتوفير أدوات الزراعة. إذا لم أحصل على هذه الأدوات، فسأذهب وأجد عملاً في البلدة لجمع المال الكافي لشراء الأدوات الخاصة بي".
الاستثمار في مرحلة ما بعد السلام
يقول مكنامارا: "نوجه ندائنا للدول المانحة ووكالات الأمم المتحدة بشكل خاص لتنفيذ أنشطة التنمية بأسرع ما يمكن مثل الخدمات الإنسانية الأساسية التي تسبق التنمية المستدامة لهذه المجموعات السكانية الفقيرة جداً في منطقة تملك إمكانيات جيدة".
" يوجد هنا ماء [النهر]، وتتوفر التربة الجيدة، ولا يوجد ازدحام سكاني في معظم المناطق".
إيرين |
آلاف اللاجئين السابقين والمهجرين داخلياً يتوجهون إلى الجنوب |
وقد اصطحب ثورن معه في بعثته إلى جنوب السودان كل من بورسين بونيه، سفير السويد لدى الأمم المتحدة في جنيف، وكلوديا ريزو، مستشارة الشؤون الإنسانية والتنمية في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون.
ولم تستثنى الحكومة السودانية من الانتقاد لفشلها في توفير المزيد من الموارد للمرافق الاجتماعية بما فيها المدارس والطرق والمرافق الصحية والإمدادات المائية.
الاعتماد على النفط
ويُلقى معظم اللوم على حكومة الوحدة الوطنية في الخرطوم بسبب ما يعتقد أنه معارضة من جانبها للكشف الكامل عن مكاسبها من الصادرات النفطية، حيث نصت اتفاقية السلام الشاملة على تقاسم الثروة النفطية بين الشمال والجنوب.
يمكن أن تكون هذه أكبر حركة عودة إلى الوطن تشهدها أفريقيا في السنوات الأخيرة |
كما انتقد مارك الصندوق متعدد المانحين الذي يديره البنك الدولي والذي تم تأسيسه من إجل إعادة إعمار جنوب السودان بعد الحرب بسبب إخفاقه في صرف الأموال بشكل سريع.
وقال مكنامارا: " إذا لم نستثمر في الدعم الأساسي [لسكان جنوب السودان] فهناك خطر في العودة إلى دوامة الوضع الإنساني من جديد مما سيكلفنا المزيد من حيث المعاناة الإنسانية والتكلفة المالية، فجنوب السودان هي قصة نجاح تنتظر التحقيق".
"